اليوم تنطلق اعقد وأخطر عملية انتخابات تشهدها البلاد والساحة السياسية أكثر ارتباكاً فالأحزاب تعددت موقفها وتذبذبت بين المشاركة والمقاطعة فهاهي بعض الأحزاب السياسية الكبيرة أعلنت مقاطعتها للانتخابات على كافة المستويات في سياق مبررات يلفها التناقض والغموض .. فالحركة الشعبية سحبت مرشحها لرئاسة الجمهورية قطاع الشمال بصورة كانت مفاجئة حتى بالنسبة له، كما أعلن أمينها العام باقان أموم مقاطعة الحركة للانتخابات على كافة المستويات الأخرى في الشمال بينما جاءت متناقضة مع ذلك تماماً فقد أشار فيها الى خوض الحركة الانتخابات على المستويات الأخرى مما يؤكد أن الحركة الشعبية ليست على كلمة سواء وأن الموقف لا يمكن أن يتضح الا بعد بدء العملية. انسحابات جماعية لمرشحي الأحزاب لرئاسة الجمهورية (الحزب الشيوعي وحزب الأمة الإصلاح والتجديد ثم حزب الأمة الأصل الذي ظل مجتمعاً لثلاثة أيام حتى ساعة متأخرة من الليل مما يشير إلى أن هناك انقساماً حدث داخل مكتبه السياسي بسبب قرار المقاطعة الا أنه في النهاية حسم أمره بالإجماع. أما تحالف أحزاب جوبا أو ما يعرف بتحالف المعارضة فقد تشتت قبل أن يحقق هدفاً واحداً من اهدفه وهو تقديم مرشح واحد لقوى المعارضة لإسقاط البشير وأضاع الفرصة الأخيرة، وفي دارفور أعلنت بعثة الاتحاد الأوربي انسحابها من مراقبة الانتخابات في دارفور بسبب ما روجته الحركات باستهدافها للانتخابات والقائمين بأمرها وترويجها ايضاً لعدم استتباب الأمن برغم تأكيد وفد المفوضية بقيادة أبيل ألير الذي زار ولايات دارفور الثلاث بأن الأمن مستتب وليس هناك ما يمنع قيام الانتخابات، الا ان بعثة الاتحاد الأوربي تحفظت على قرار الانسحاب ورفضت الإدلاء بأي تصريحات في هذا الشأن واكتفت بالقول أن البعثة انسحبت لأسباب خاصة بها. الأممالمتحدة تنذر باندلاع حرب في دارفور والجنوب لانعدام الثقة بين الشريكين. أما الموقف الأمريكي فهو لا يختلف كثيراً عن الموقف ألارتباكي الذي تعاني منه الأحزاب السياسية فتارة يطالب غرايشن بتأجيل الانتخابات ومرة أخرى يقول أنه مع قيامها وأحياناً يريد أن يسحب الحركة جنوباً وأخرى شمالاً. مشهد انتخابي أحادي:- تأتي هذه الانتخابات كغير العادة في ظل غياب تام للأحزاب السياسة فلم يعد لها حراك وضوضاء في شوارع العاصمة حيث خلت الخرطوم من اللافتات والبوسترات حتى للأحزاب المشاركة ناهيك عن المقاطعة: فلا توجد عربات تجوب الشوارع، وعموماً فان الأحزاب السياسية تعيش في حالة بيات شتوي في عز الصيف في حين أن هناك حزباً مازال في السلطة قاد أقوى حملة انتخابية في تاريخ السودان حيث بدأت في أول يوم وانتهت في آخر يوم جاب من خلالها ولايات السودان شبراً شبراً واستقطب ما أستقطب من جماهير كانت خصماً على رصيد بعض الأحزاب الأخرى ووعد ما وعد في هذه الحملة من وعود عبر خطاب إعلامي استقطابي بحت في كل زيارة لقرية أو مدينة خاتماً ذلك بأحدي عرضات الجعليين التي أصبحت مألوفة لدي مرشح المؤتمر المواطن عمر حسن أحمد البشير فقد كان لهذا الحزب نصيب الأسد في الفرص الإعلامية فكل زياراته وحملته الانتخابية منقولة مباشرة على الهواء فطيلة الحملة الانتخابية لم يختف يوماً واحداً عن أجهزة الإعلام حيث اختتم حملته بمسجد الشيخ الصادق الصائم ديمة في آخر الساعات المحددة لانتهاء زمن الحملة الانتخابية بثتها مباشرة قناة النيل الأزرق في حين أن الأحزاب السياسية أضاعت هذا الزمن في الاجتماعات واللقاءات وتحديد المواقف التي حتى نهاية الحملة يصفها المراقبون بأنها غامضة ومرتبكة . عدم توازن في القدرات والتنظيم:- ويرى المحللون أن الأسباب التي بررت بها بعض الأحزاب المقاطعة وهي عدم الاستجابة لمطالب المذكرة بتأجيل الانتخابات هي ليست الأسباب الأساسية حيث يري د. صبحي فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أن هناك عدم توارث في القدرات التنظيمية بين هذه الأحزاب ونظام استمر 20 عاماً في السلطة فهذه معادلة صعبة جداً بالنسبة للأحزاب فهو يري أنه من الأفضل أن لا تخوض تلك الأحزاب الانتخابات لأنها لم تحصل على شيء ولذلك يجب أن تحافظ على كرامتها فكانت تلك المقاطعات الجزئية والكلية للعملية الانتخابية، ويعتبر المعارضون للنظام أن هذه الانتخابات ستحقق شيئاً واحداً هو إعطاء شرعية لحزب المؤتمر الوطني ليحكم خمس سنوات أخرى إضافة لرصيده البالغ عشرين عاماً . نتيجة محسومة مسبقاً:- قادة المؤتمر الوطني يتبادلون التهاني بعضهم مع بعض بالفوز واكتساح المارثون قياساً على نتائج الحملات الهائلة كما أصبحوا يراهنون على فوز البشير في انتخابات رئاسة الجمهورية وكل من يتبع لحزب المؤتمر الوطني في الدوائر الحزبية والبرلمانية ودوائر المرأة الأمر الذي ترك أثراً عميقاً لدي الأحزاب الأخرى بعدم جدوى خوض الانتخابات حيث أصبحت الساحة فاقدة للمنافسة التي هي أصلاً روح العملية الانتخابية الأمر الذي سيفرغ الانتخابات من محتواها. وعلى ضوء تلك المعطيات تنطلق الانتخابات العامة لكن السؤال هل ستحقق هذه الانتخابات الهدف المنشود وهو الديمقراطية أم ستصبح مجرد شرعية لنظام استمر 20 عاماً ويرى الأستاذ علي أحمد السيد القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أن الانتخابات القادمة لا تحقق التحول الديمقراطي لأنها قامت في ظل جو غير ديمقراطي وسيطرة كاملة لحزب على مقاليد السلطة 20 عاماً، وأكد في حديثه ل (التيار) أنها لن تكون حرة ونزيهة لأن التجاوزات حدثت في مرحلة السجل ولم تقم المفوضية بالنظر اليها فحسناً فعلت الأحزاب بان انسحبت فهذه الانتخابات لا تخدم شيئاً سوى إكساب شرعية لحزب المؤتمر الوطني، فحتي الأحزاب المشاركة ربما يغير بعضها مواقفه. فيما يري د. حسن مكي المفكر الإسلامي والمحلل السياسي أن الانتخابات ستفضي إلى شرعية للنظام القائم وتحقيق التحول الديمقراطي في نفس الوقت وهذان الأمران ليس بينهما تناقض وهما حلقتان يكمل بعضهما بعضاً فالنظام أصبحت شرعيته مستمدة من اتفاقية نيفاشا الموقعة عام 2005 بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وهي اتفاقية دولية وحسب نصوص هذه الاتفاقية فان الفترة الانتقالية ستنتهي في نوفمبر 2009 ولكن نتيجة لعدم إمكان قيام الانتخابات في ذلك الوقت ووفاة د. جون قرنق مهندس الاتفاقية تم الاتفاق على قيامها في أبريل كموعد أخير، وقال د. حسن مكي في حديثه ل (التيار) ان الانتخابات القادمة ستقضي لمشروعية الدولة المؤقتة وتدخل البلد في حراك سياسي جديد فهي وفاء لتعاقد سياسي في الحراك السياسي وإضفاء مشروعية جديدة، ولم يستبعد د. حسن مكي وجود تأثيرات للمجموعات المنسحبة والمقاطعة الا أنه قال أن قيام انتخابات ناقصة أفضل بكثير من عدم قيام انتخابات فهي ستضيف مؤسسات جديدة 26 مجلساً تشريعياً و 26 والياً وبرلماناً جديداً لكن عدم وجود بعض الأحزاب داخل هذه المؤسسات الجديدة سيضيف من موقعها. نقلاً عن صحيفة التيار 11/4/2010م