«مصير إفريقيا معلق بالسودان فإن نجح السودان في تحقيق مصالحة بين عنصري الوطني فإنه يؤدي عملاً رائداً تفيد منه القارة كلها، أما إن دام الصراع في السودان وأضحى مزمناً فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع حدة التوتر في البلدان الأفريقية». أرنولد تواينبي الأسبوع المنصرم كنت شاهداً على جانب من ورشة الإعلام الخارجي التي كانت مزدانة بشعار: «نحو صورة مشرفة للسودان خاريجاً». هذا الشعار أمنية عزيزة لكل سوداني وسودانية غض الطرف عن اختلاف المناهل والمشارب والمدارس وهذا الشعر ذو الدلالات الكبرى لا يطبق ويضحى حقيقة ماثلة للعيان تمشي بين الناس وتتألق وسط الزحام إقليمياً ودولياً ومحلياً بمراجعات شتى ولا يمكن له أن يضحى حقيقة بفم مفتوح وعقل مغلق. فهناك قضايا تحتاج إلى مراجعات شاملة وحوار عميق وعقل تفكيكي أي يقوم بتشريح كثير مما يراه القائمون على الأمر حتميات رغم أن زمن الحتميات ولى وأولى هذه المراجعات هي واقعنا الداخلي حاله ومآله وما عليه، والسؤال الكبير الداوي هل حزب المؤتمر الوطني وكل مؤسساته مؤسسات ديمقراطية حقيقية؟ قد يجيب مجيب بأن هناك ديمقراطية بها شيء من الرمزية للديمقراطية، ولكن واقع يقول بغير ذلك لأن هناك ممارسة معطوبة إذا قمنا بمراجعتها ومراجعة كثير من واقع أحزابنا السياسية وصدق الفيلسوف كونفوشيوس حينما قال: إن أردت التنبؤ بالمستقبل تمعن في الماضي.. فنحن أمام حزب مسيطر على الساحة. لم تكن قضية الديمقراطية التعددية والحريات حاضرة في عقله، نقول هذا وهذا الحزب وليد للحركة الإسلامية والحركة الإسلامية نتاج من نتائج بل مولود شرعي لحركة الإخوان المسلمين التي أنشأها السيد حسن البنا في العقد الثاني من القرن الماضي وحينما أسس ما أسس كانت قضية زوال الخلافة الإسلامية في استانبول ماثلة أمامه وما حدث من اتفاق «سايكس بيكو» يؤرق مضاجعه وحينما كانت تهب على العالم الإسلامي أعاصير عاتية صاحبت نشأة فكرة الإخوان المسلمين وتأثرت بها الحركة أيما تأثير وهي الفكر النازي في المانيا رغم أن السيد هتلر قد جاء إلى السلطة عبر انتخابات ولكن بعد أن تمكن منها جمع كل ممثلي الأحزاب الألمانية أمام ضريح فردريك الكبير وبعد خطاب ضافٍ التفت إليهم قائلاً: لم أعد في حاجة إليكم أي الأحزاب ودخلت ألمانيا في حقبة النازية التي أذاقت ويلاتها وآلامها كل الكوكب كذلك بدأ الشيخ حسن البنا فكره وعلى الضفة الأخرى من المتوسط كانت إيطاليا الفاشية بقيادة الدوتش موسليني وحركته وسط الشباب ذوي القمصان الزرقاء كل هذا كان حاضراً في عقل البنا وهو يؤسس حركته التي لم تعرف طريقها إلى الديمقراطية خاصة وكانت المرجعية الأولى له هي كتابات السيد أبو الأعلى المودودي الذي لم تجد كتاباته حظها من التطبيق في بلاد الهند وباكستان ولكنها وجدت ضالتها في أرض المشرق التي لم تعر الفكر الديمقراطي أي اعتبار إلا شكلاً لأن ديمقراطية العقل لا تمارس إلا عبر الحوار الذكي مع المدارس الفكرية المختلفة ولا يصبح الحوار معرفياً إلا إذا توافق المتحاورون على الأسس المعرفية التي تضبطه وعلى مناهج البحث الذي يقر ويؤمن أن الحقائق لا تثبت إلا بالبرهان، كل هذا لم يكن حاضراً في عقل جماعة الإخوان المسلمين لذا كان إخوان السودان لا علاقة لهم بالفكرة الديمقراطية وقوانينها وكان القانون الذي خلعوا من أجله نعليهم من أجل دخول الوادي المقدس هو وادي السلطة لذا حدث ما حدث من تناقض لأن أي حركة سياسية تفتقد المبدأ الديمقراطي وتعوزها الإستراتيجية الهادفة الهادية لتحقيقه تتفسخ وتتحلل وهذا الهوان أصاب بعض من أحزابنا الطائفية ولم يعصم حزب المؤتمر منه إلا قوة الدولة، فأصبح الكل يركض كالمهر في دهاليز السلطة، فرأينا كيف قامت الحركة الإسلامية بانقلابها على الديمقراطية ولم تستطع العودة بالبلاد إلى الديمقراطية مرة أخرى لأنها تفتقد إلى هذا الفكر والسلوك فهي تريد ديمقراطية ومشاركة شكلية رغم أن قضية الحريات لا تتجزأ وهذا هو الخطل الذي وقعت فيه فهي تريد إعلاماً خارجياً بصورة زاهية لكن واقع الحال لا يشير إلى ذلك، فإن أردنا صورة مشرفة خارجياً يجب أن تكون صورة الداخل مشرفة لأن الخارج هو مرآة الداخل ولكن ضعف الطالب والمطلوب، فهذه الصورة لن تتغير ما لم نغير سلوكنا الداخلي وممارساتنا الداخلية، وأول هذه الممارسات هي ما هو الموقف من قضية الديمقراطية الحقيقية لا الممارسة الشكلية وما هو موقف المؤتمر الوطني الفكري من قضية الديمقراطية الحقة، فحتى خطاب رئيس المؤتمر الوطني ذي الوثبات لم ترد فيه كلمة واحدة عن الديمقراطية كان الحديث عن عبارة حمالة أوجه لم تطورها التجارب بحكم وقائع التاريخ كان الحديث عن الشورى وهذه العبارة متدثرة بكثير من السدف والغيوم الفكرية. كما أن هناك تصريحات غير مسؤولة تسيء إلى السودان خارجياً بدءاً من أجهزة الإعلام الرسمية مروراً بتصريحات كثير من المسؤولين. ولقد سبق وأن ذكرنا المثل الذي جاء على لسان بهرام ملك فارس حينما قال حتى الطير لو سكت لكان خيراً له. فنحن قبل القفز إلى الأمام واستعجال النتائج علينا عمل مراجعات فكرية كبرى خاصة من حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي أدمت أنفه وأنف البلاد كثير من التصريحات والممارسات التي سببها في المقام الأول عدم تحديد حدود المسؤوليات والحديث العفوي الذي لا يعرف قائله إلى أين يقود البلاد، فكنا نسمع عن من يحدثنا عن الوقوف في وجه دول الاستكبار ولم يقفوا كما وقفت تحت راياته وأمام جنده هاني بنت قبيصة الشيباني في يوم ذي قار. نقلا عن صحيفة الانتباهة 1/7/2014م