لوقت طويل، زلت الحكومة تشكو، في دوائرها الداخلية، من عدم الانضباط في تصريحات الكثير من المسؤولين في مختلف المجالات، الأمر الذي يظهر الدولة وكأنها تتحدث بأكثر من لسان، ولكثرة ما تكررت هذه الشكوى شكلت الحكومة لجنة خاصة أسمتها لجنة. ضبط الخطاب الرسمي قامت بدراسة الحالة وقدمت عدة مقترحات بعضها تم تنفيذه وبعضها لا يزال ينتظر، ويبدو ان عدوى انفلات الخطاب لم تعد مشكلة الحكومة وحدها بل أصبحت مشكلة عند المعارضين أيضاً، سواء من ظلوا في صف المعارضة منذ قيام الانقاذ أو من جاءوا للمعارضة من صفوف الحكومة. يوم الخميس الماضي أصدر حزبا الأمة القومي وحركة (الإصلاح الآن) بياناً استباقياً بخصوص اجتماع آلية (7+7) للحوار الوطني أعلنا فيه مقاطعتهما للقاء لما اعتبراه: (اختلافاً جوهرياً في مفهوم الحوار بينهما وبين رئيس الجمهورية الذي يعتبره وسيلة للمشاركة السياسية والمحاصصة بينما يعني الحوار لهم إجراءً سياسياً جوهرياً يهدف لإحداث تغيير بنيوي يؤدي إلى بناء الدولة الوطنية القائمة بالتوافق الوطني الشامل بلا استثناء) وتحدث البيان عن قضايا أخرى لست معنيا بها الآن، لكن الذي استوقفني في البيان هو ما جاء في فقرته الأولي من أن مفهوم رئيس الجمهورية للحوار هو (وسيلة للمشاركة السياسية والمحاصصة) وحاولت أن أبحث في أدبيات المؤتمر الوطني المكتوبة أو المنطوقة لأجد تعزيزاً لهذا المفهوم فلم أفلح، بل على العكس وجدت الأدبيات الخاصة بهذا الحوار والتي بدأت بخطاب الوثبة في السابع والعشرين من يناير الماضي، تتحدث عن ذات المفهوم للحوار الذي قال البيان إنه مفهوم الأمة والإصلاح. بتقديري أن البيان لم يكن موفقاً بالمرة في صياغة فقرته هذه، فمع التسليم أنه للحزبين الحق في أن يحددا موقفهما من الحوار ويحددا مفهومهما له بالكيفية التي يريانها، وأن يعبرا عن أسباب ذلك بالأسلوب الذي يريدانه، لكن ليس من حقهما أن يعبرا عن مفهوم المؤتمر الوطني أو رئيس الجمهورية للحوار إلا بالكيفية التي عبر هو بها، وإلا لكان من الضروري أن تعالج صياغة البيان ليشرح أن هذا هو فهمهما لمفهوم رئيس الجمهورية للحوار، وذات عدم التوفيق، وإن بطريقة مختلفة، وقع فيه السيد محمد عبد الله الدومة نائب رئيس حزب الأمة القومي الذي نقلت عنه صحيفة الانتباهة قبل يومين قوله إن (الحوار الذي يريده المؤتمر الوطني لا علاقة له بالأجندة خاصة تخصه وتخص المؤتمر الشعبي تتعلق بالعلاقة مع حركة الأخوان المسلمين حول العالم)، وذهب الدومة أكثر من ذلك ليقول إن (الشعبي كان في السابق معارضاً بالفعل ولكن قناعاته اختلفت الآن، فهم يرغبون في الاجتماع مع الوطني لمعالجة قضايا تخصهما وفي النهاية سيتحد الحزبان)!! إذا كانت الحكومة بحاجة لضبط خطابها الرسمي، حتى يفهم الناس ما الذي تود قوله بالضبط، فالمعارضة أيضاً أضحت بحاجة لضبط خطابها المعارض، حتى لا يسهم في إرباك المشهد العام، وحتى لا يفهم الناس أن الإصلاح للمعارضة هو الأقدار على توجيه الشتائم للآخرين. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 2014/7/13م