أجرى وسيط الاتحاد الإفريقي ثابو أمبيكي ومبعوث الأممالمتحدة إلى السودان وجنوب السودان هايلي متغريوس وومثل منظمة "إيقاد"، مشاورات مع الفرقاء السياسيين في الخرطوم، لتقريب مواقفهم في جهد لإنجاح الحوار الوطني الذي يحبو، واستكمال عملية السلام عبر إقناع حاملي السلاح بالمشاركة بعد توفير ضمانات كافية. جلوس المبعوثين الثلاثة في طاولة واحدة لمناقشة الأطراف السودانية بشأن متطلبات الحوار وفرص نجاحه، ومناقشة أفكار ومقترحات لربط مسارات الحل السياسي في البلاد. خطوة في الاتجاه الصحيح نحو معالجة شاملة للأزمة الوطنية. تقاصرت كل الجهود الخارجية والداخلية لتسوية القضايا السودانية أمام تعقيدات المشهد الوطني، بسبب تجزئة الحلول، وهروب الحكومة من دفع استحقاقاتها لذا نلجأ إلى تسويات وصفقات محدودة لا تعدو كسباً للوقت ومناورات قصيرة النظر عمقت الأزمة أكثر مما تقدم من معالجات حتى كادت تنعدم فرص المناورة وشراء الوقت. المبعوثون الدوليون والأفارقة الذين وضعوا أقدامهم في الطريق الصحيح، بالاتجاه نحو توحيد مسارات الحل السياسي، بطي ملف الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مع ربط ذلك بحوار وطني يضع كل ملفات البلاد في طاولة واحدة أمام الفرقاء السير في هذا الطريق ينعش الآمال بضوء في نهايته، لكنه درب طويل وشاق وتكثر به المطبات ويحتاج إلى إرادة وعزيمة وتنازلات وتضحيات. ما يدفع إلى الأمل أن جميع أطراف الأزمة متفقون على قواسم مشتركة نظرياً، فوفد "الجبهة الثورية" الذي زار مقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا في مارس الماضي بدعوة من رئيس البعثة الأممية الإفريقية المشتركة في دارفور محمد بن شمباس، وكان يتألف من نواب رئيسها جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي والتوم هجو، أكد في بيان عقب اللقاء مع تمسك الجبهة بوحدة السودان أرضاً وشعباً. والتزامهم بالسلام العادل الشامل وعدم رفضهم حوار وطني، ومطالبتهم بتوحيد المنابر والمسارات في التعامل مع القضية السودانية. وتجددت هذه المواقف بلا تعديل سوى في صياغتها عبر "إعلان باريس" الذي وقعه الإمام الصادق المهدي مع "الجبهة الثورية" مؤخراً، مع الأخذ في الإعتبار تجاوز ردة فعل الحكومة ما حوته سطور الإعلان إلى مكنونات صدور موقعية. وتكاد تتماهى الأفكار والمعاني التي تشملها وثائق المعارضة المسلحة بشأن مطلوبات تهيئة مناخ الحوار وأهدافه مع ديباجة الإعلان الذي تلاه ممثلو القوى في آلية الحوار الوطني السبت الماضي، مع إنه لا يمكن استبعاد نوايا وأجندة أي طرف يسعى إلى تحقيقها عبر طاولة الحوار. ما يشجع أطراف الأزمة، قناعة المبعوثين الدوليين والأفارقة الذين يجتهدون لتقريب مواقف الفرقاء السودانيين، بأن أي حوار لمعالجة أزمة السودان ينبغي أن يكون سودانياً خالصاً من دون تدخل خارجي. غير أن غياب الثقة وحدة الاستقطاب السياسي وتشدد مواقف أطراف الصراع، تحتاج إلى طرف ثالث يتولى تسهيل الوصول إلى مائدة الحوار وإنجاحه. وما يدعو للتفاؤل أيضاً أن الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي وما يمكن تسميتهم باللاعبين المؤثرين في المجتمع الدولي، استقرت قناعتهم على توحيد الجهود الإقليمية والدولية والتنسيق بين المبعوثين الثلاثة لإنجاح مشروع الحوار عبر الإسهام في إزالة العوائق وتحفيز الأطراف وتقديم العون الفني واللوجستي، والدعوة إلى الوصول إلى حزمة إجراءات متكاملة لمعالجة الأزمة السودانية بشكل كامل وبمشاركة كل الأطراف. خاصة حملة السلاح. باعتبارهم الأقدر على إجراء الاتصالات مع حاملي السلاح والمساهمة في تقديم الضمانات المطلوبة في حالة مشاركتهم في الحوار. ومهما كان نبل مقصد الفريق الدولي والإفريقي (أمبيكي ومنغريوس وابن شمباس) وانطلاقهم من قيم وتراث يرفض منطق التبعية للخارج. ومشاعر المودة التي يحملها أمبيكي للسودان من ذكريات أيام الكفاح الأولى ضد نظام التفرقة العنصرية، فإن المسؤولية تقع على عاتق الأطراف السودانية ونأمل أن تتجاوز في سبيل الوطن منطق المناورات وكسب النقاط والتهرب من الاستحقاقات. فشل الحوار سيفتح الباب أمام تدويل القضية وجعل السودان مسرحاً للصراعات الدولية والإقليمية. وكل السيناريوهات المتوقعة مرعبة. نقلاً عن صحيفة التغيير 19/8/2014م