قال وسطاء في مفاوضات فرقاء جنوب السودان (نقلا عن وكالات) في أديس أبابا، إن المجتمع الدولي سيبحث فرض عقوبات على الأطراف المتحاربة في جنوب السودان اذا ما فشلت تلك الأطراف في احترام الاتفاقيات لإنهاء الصراع المستمر بينها منذ ثمانية أشهر، ولا زال يراوح مكانه. وطلب الوسطاء من الأطراف المتحاربة توفير خريطة شاملة بمواقع قواتهم، لكن المتمردين قالوا إنهم لن يوقعوا على الاتفاق حتى تسحب يوغندا قواتها التي أرسلتها لدعم سلفاكير عسكرياً في الصراع. وقال مسفن (إن المتحاربين يجب أن يعرفوا أن هذه حربهم، هم خلقوها، وهم المسؤولون عنها). وشرط سحب القوات اليوغندية من جنوب السودان، يصب في الإتجاه السياسي لحل المشكل الجنوبي، لأن موازين القوى التي إختلت منذ بداية الصراع بين الفرقاء الجنوبيين كانت بسبب هذه القوات اليوغندية، والثابت أن تقارب مستويات القوى والتسليح بينها يكون سبباً في التوصل لإتفاق هناك. ولا تبدو التهديدات بإنزال عقوبات دولية على طرفي النزاع في جوبا من قبل المجتمع الدولي جدية ونافذة، لأن التعقيدات التي تنطوي عليها طبيعة الجغرافيا (الطبيعية والعسكرية) بجنوب السودان لا تسمح بتبني أي شكل عقوبات يكون لها التأثير الفعال في تغيير مسارات الفعل القتالي والسياسي فيه. ولأسباب عديدة، لها ما يجعلها معقولة من الناحية السياسية يمكن النظر إلى ما ظلت تطرحه المعارضة التي يقودها رياك مشار يمثل مدخلاً للحل السياسي في هذه المرحلة على الأقل، لكن من خلال التأكيد على أن الأرضية التي تنطلق منها هذه الأطروحات هي أن يعود (الجنوب للجنوبيين) فقط. بما لا يمكن تمريره من قبل المجتمع الدولي إلا من خلال فيتو عمدي ومتجاوز أن تعيش وتتحرك في نمو مضطرد عدد من الحركات المسلحة تنتمي إلى أكثر من ثلاثة بلدان داخل دولة جنوب السودان دون إعارتها أي إهتمام من قبل هذا المجتمع الدولي نفسه، وأن الدولة هناك لا ولاية لها على تسليحها. فمهما يكن شكل العقوبات وسيناريو الحل الأممي لنزاع جنوب السودان، لا توجد ضمانات حقيقية لأي سلام مستدام هناك إلا بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل إعلان الرئيس سلفاكير قرار إعفاء نائبه رياك مشار، لأن الدولة (منقسمة عملياً) الآن بسبب هذا القرار الذي بنيت عليه هذه الأزمة. تمثل القوات الأجنبية المتواجدة بجنوب السودان الظهير والداعم الميداني للجيش الحكومي، مما يعني أن ما تقوم به الحكومة هناك هو تأمين وجودها وإستمرارها في القصر الرئاسي فقط، لأن السلوك الاقصائي لمن يمثلهم دكتور مشار – وهم أغلبية لا يستهان بها – مدعاة إلى تقسيم دولة الجنوب مجدداً. لتكون أي عقوبات دولية سيتم إصدارها من مجلس الأمن على أي من طرفي نزاع جوبا بأدائه من تحديد سقف القوى والتسليح، وهذا ما لا يمكن تنفيذه إلا عبر تجفيف منابع السلاح الذي بأيدي الحركات المسلحة الأخرى والقوات اليوغندية، ونتوقع أن تتحدث جوبا عن ضمانات دولية لتأمين (جوبا) نفسها. وتنم الطريقة التي تطرح بها المعارضة الجنوبية شروطها ورؤيتها للحل عن تعجيز نوعاً ما للرئيس سلفاكير لأنه يرى مثلا في قيام الحكومة الانتقالية مهدداً حقيقياً لمستقبله السياسي الذي يربطه عادة بمستقبل الجنوب ككل وكيف يكون هذا التهديد؟!. بتفسيره لرغبة رياك مشار الانقلابية عليه. ويكون من باب الاستقامة عقلاً، الدخول مباشرة في مناقشة (المخاوف الحقيقية التي تضمرها حكومة الجنوب تجاه الاتفاق مع المعارضة بخلاف ما يتم ترويجه في الإعلام للاستهلاك اليومي)، لأن صيغة الرفض العلنية والمدعومة بقوة ضد عودة مشار لجوبا تمثل نتيجة يجب التوقف عندها. كما أن خطورة صيغة الرفض السياسي هذه – وهي متبادلة – تكمن في أن إمكانية حدوث أي تقارب بين الطرفين هناك، إعترضتها أعمال العنف الموسعة التي استمرت أكثر من ثمانية أشهر بينهما، وفي داخل هذه الحرب ذات الطبيعة القبلية تختبئ بعض العقبات الاجتماعية والسياسية الخاصة بكل طرف. وبتحديدات قاطعة، يكون التهديد بعقوبات دولية في بلد يعيش ثلثا سكانه ما بين النزوح الداخلي واللجوء ويعتمد في توفير نصف غذائه على منظمات الأممالمتحدة المختلفة، نوعا من أنواع الدوران حول (دفاتر قديمة للعقوبات) تم تجريبها ببلدان أخرى، لأن صراع جوبا حي ومتحرك والمعالجات المطروحة الآن (ميتة). وإن ما يريده أي طرف من أطراف النزاع هناك هو الانفراد بالحكم، وتظهر هذه النية من خلال صيغة الرفض المتبادل التي تتم تنميتها بشكل يومي، بما سيفرز خيارات سياسية لا يطيق سماع أخبارها أحد في جوبا، لأن أبناء النوير أو الجيش الأبيض لن يقبلوا بأقل من حكم ذاتي في مناطقهم وبالقوة ودون ضمانات. بإعتبار أن المرونة التي نقصت كثيرا في خطاب الرئيس سلفاكير كانت سببا في صلب خصمه، ولشدما تؤجج العمليات الاستفزازية جذوة النزاعات القبلية لأنها تسري كالنار في الهشيم داخل نفسيات معبأة ومتحرضة مسبقا على رفض أي سلوك يأتي به الخصم، مما يجعل من الخطاب الحكومي متهما بالتصعيد الأخير. وفي حال استمرار هذه الحرب داخل دولة الجنوب دون وضع حد لها من قبل الرئيس سلفاكير ومشار، فإن واقع التجزئة وفصل المقاطعات عبر القوة المسلحة سيكون هو المال الاخير لهذا الصراع، وتدخل المجتمع الدولي لا يتجاوز أن تسعى قوات دولية للفصل بين المتمردين والقوات الحكمية في مواقع محددة. وتبقى مسألة التوازنات السياسية الدولية التي يعتمد عليها كل طرف في حربه ضد الآخر، حيث إنه لا زال في مخيلة الرئيس سلفاكير أن واشنطن تعتمد وجوده كقوى إقليمية موالية لها في حدود السودان الجنوبية، ويدرك مشار بنفس القدر أن الدور اليوغندي في الجنوب قائم لأسباب خارجة عن إرادة (يوغندا) وهذا واضح. في الوقت الذي ينبغي فيه على المجتمع الدولي التركيز على أن وجود قوات أجنبية وحركات تمرد "عابرة للحدود" داخل دولة جنوب السودان سبب في تعنت وتصلب موقف رياك مشار، لا تزال المقترحات التي يجري تقديمها هنا وهناك تبتعد عن حقيقة أن من يتحارب معهم مشار هم أصلا (أجانب) يدعمون حكومة بلاده. لتكون أي عقوبات دولية سيتم فرضها على الفرقاء في جوبا هي نظرية محضة وغير مستوفية لشروط العمل الدولي الجماعي باعتبار أن هنالك اختراقا حقيقا لسيادة الدولة في الجنوب من قوات أجنبية، يحدث هذا ويتم تبريره من الطرف المستفيد من بقائها إلى جانبه في الحرب، وعلى المجتمع الدولي أن يتعامل مع طرفين هناك. وفي حال اتخذت جوبا موقف الرفض القاطع لمقترحات المعارضة، يكون غياب المجتمع الدولي عن هذا النزاع في مرحلته الحاسمة الآن، سببا في تصاعده نحو نهايات لا صلة لها بالسياسة الدولية هنا، وإنما ستتوفر حالة من حالات العنف القبلي تجعل من أشجار الغابات الاستوائية هناك تتمنى العودة للسودان الأب. نقلاً عن صحيفة الصحافة 26/8/2014م