انتهت الانتخابات السودانية التي أثارت كثيراً من الجدل، واللجلجة، والأشواك، والشكوك، ومر الشكوى من القوى المعارضة التي رأت فيها ممارسة مشوهة شابها الكثير من الأخطاء اللوجستية، والإدارية، وعمليات التزوير وعدم الشفافية، وأنها لم تعترف بنتائجها التي تظهر عمليات فرز الأصوات المبدئية بأن الرئيس البشير رئيس المؤتمر الوطني الحزب الحاكم قد حقق نصراً وانتصاراً كاسحاً على منافسيه الذين خاضوا غمار الانتخابات. وتراهن المعارضة – كما يفعل ذلك المجتمع الدولي – على التقارير النهائية التي تصدرها المؤسسات والهيئات والمنظمات العربية والافريقية والدولية التي تبين رأيها بوضوح في مدى صدقية ونزاهة الانتخابات. ومن المرجح أن تصدر تقارير تلك المنظمات في اتجاه يؤكد الاعتراف بنتائج الانتخابات رغماً عن الأخطاء والممارسات التي شابتها وأدت إلى إعادة الانتخابات في 33 دائرة انتخابية منها 17 دائرة ستعيد انتخابات البرلمان الاتحادي و16 دائرة ستعيد مجالس الولايات. لقد عول السودانيون كثيراً على الانتخابات الحالية باعتبارها تمثل جسراً للعبور الهاديء من الحكم الشمولي إلى مرافئ التحول الديمقراطي، ووصولاً إلى صولجان الديمقراطية البراق.. غير أن رؤى الأحزاب المعارضة كانت متضاربة منذ بدء عمليات التسجيل والاقتراع: فمنها من وطد العزم على دخول الانتخابات للحصول على شريحة من الكعكة الطرية، مثل المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي، والحزب الوطني الاتحاد الديمقراطي الأصل بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني، ومن الأحزاب التي عارضت دخول الانتخابات حزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي الذي رأى في عدم الاستجابة لشروطه الثمانية مجالاً واقعياً للانسحاب المتأخر، كان من المفترض أن تؤسس الانتخابات لانبجاس فجر جديد يتألق فيه حكم الشعب، لمصلحة الشعب، وبداية مرحلة جديدة يتفيأ فيها السودانيون ظلال الحكم الراشد الوارفة، ويتمتعون بثمار الديمقراطية في بسط الحريات، وسطوع شمس العدالة والمساواة وحكم القانون واستقلال القضاء. الحديث عن شكوى المعارضة وعدم اعتراف بعضها بنتائج الانتخابات التي شابها التزوير والفساد على نطاق واسع يبقى في سجل صفحات التاريخ ليحكم لها أو عليها. ويسجل التاريخ للشعب السوداني، والناخب السوداني توقه وولعه بالديمقراطية وعشقه للعدالة وتعامله الراقي والحصيف الذي أدى إلى هذه الممارسة الراقية والمتمدنة التي أقصت العنف وأزاحت الإرهاب والرهاب. لقد انتهت الانتخابات.. ولم تجف الأقلام، ولم تطو الصحف.. فالدعوة التي أطلقها الحزب الحاكم بعزمه على تشكيل حكومة قومية واسعة يتوجب أن تجد التأييد من كل الأطراف، لأن مرحلة التحول المقبلة تحفها جملة من التحديات ولا يعقل أن تترك لحزب واحد لمواجهتها منفرداً. تتدافع المشكلات وتدلهم الخطوب والمحن والكوارث لتشكل سحب غمام ودخان كثيف في أفق ومستقبل السودان: جنوب السودان بحاجة إلى عمل جماعي مشترك لجعل الوحدة واقعاً حياً، وخياراً مفصلياً، أزمة دارفور بحاجة إلى من يرفع عنها السندات ويبعد منها المطرقة. القوى السودانية والأحزاب المعارضة، والحزب الحاكم مدعوون جميعاً للحوار للاصطفاف، والمصارحة، والمصالحة، والمصافحة، للاشتراك في الحكومة القومية المقترحة، وبدون ذلك سيترك السودان يتضجع في ظلمات الأسى، والكرب، والنكد والكبت، ويمسى حاله مثل غمام آيسلندا البركاني الذي يحجب البصر والبصيرة. المصدر: الشرق 18/4/2010