أما السيد الصادق المهدي فبانسحابه من السباق الرئاسي أثناء الحملة الانتخابية التي شارك فيها، وبعد مرور الزمن الرسمي للانسحاب .. وأما الدكتور الترابي فبعدم قبوله بالنتائج بعد تسربها في مرحلة الفرز والعد. فما سر التقلب المفاجئ لهما في المرحلة الحاسمة في الانتخابات؟ خصوصاً أن السيد الصادق صرح بأنه سيمضي في الانتخابات على الرغم من شكوكه حول التسجيل، وأن الدكتور الترابي صرح قبل يوم من انسحابه بعدم التزوير ثم عاد وتمسك بالتزوير، وهو تقلب سريع شديد السرعة. السر جلي لا يحتاج الى كثير برهان، يراه الشعب بوضوح، وهو الحكم الأول والأخير، بأن كليهما يتهرب من الهزيمة، خلافاً لتقارير قياداتهما المضللة لمهما باحتمال التقدم. وهو في الوقت نفسه تهرب من قبول الأمر الواقع، وهو أن الشعب قد تغير ولاؤه لغير مصلحتهما، وهذا الشعب هو غير الشعب الذي تصوراه في حساباتهما. وهناك أكثر من دليل على هذا التغيير الشعبي الذي لم يضعاه في حساباتهما ولم يعطياه قدره من الاعتبار .. ويمكن إيجاز هذه المؤشرات كما هو آت، من خلال عوامل داخلية وخارجية متشابكة. أولاً: الإجماع الشعبي على رفض (الجنمائية) سيئة الشمعة بالخروج التلقائي في تظاهرات عارمة قوية التعبير عن التمسك بقيادة البشير ورفض النذير .. وذلك في حد غريب اجتذب حتى الرفض الإقليمي وشبه الرفض الدولي .. وهو رفض لازال حياً في ذاكرة الشعب، بينما قررت القوى السياسية المعارضة نسيان الشعب له، فراهنت على سوء ذاكرة الشعب، وهو رهان خاسر .. فكأن الانتخابات عبرت ديمقراطياً عن ذلك الرفض من خلال صناديق الاقتراع .. هو رفض له مبرراته المفوضية، على رأسها أن البشير يحمل رصيداً هائلاً من المكاسب القومية لهذا الشعب، فهو يحمل في إحدى يديه سد مروي والأخرى استخراج البترول، وهما يمثلان الطاقة المحركة للحياة بالسودان، فجاءت نتائج الانتخابات بمثابة مكافأة لهذه المكاسب. ثانياً النأي الشعبي القاطع عن التجاوب مع مسيرات المعارضة ذات الأثر المحدود والمردود .. وهو من جهة أخرى تعبير شعبي صامت ولكنه قوى عن رفض مخطط المعارضة لإسقاط النظام بالانتفاضة الشعبية قبل الانتخابات. وها هو مخططها بعد الانتخابات يتداعي بالانهيار. ثالثاً: التأييد الشعبي الكاسح للبشير والحملة الانتخابية، مما اظهر القوة الواسعة بينه وبين الأحزاب المنافسة على سائر المستويات التنفيذية والتشريعية في سائر جهات السودان وبخاصة في الجنوب ودارفور، وكأنهما لا تشهدان أي صراع أو نزاع. رابعاً: استطلاعات الرأي العام، ولكل انتخابات استطلاعاتها شبه المؤكدة، وهي تشير إلى تأييد شعبي متسع للبشير وحزبه الحاكم، فهما لا يحتاجان الى تزوير الانتخابات. خامساً: مؤشرات بهذا الفوز المتوقع تأتي من خارج البلاد، ومن كبريات مراكز الاستطلاع وقياس الرأي، وهي تتابع مجريات الأحداث المتصلة بالانتخابات، تساندها عيون البعثات الدبلوماسية بالخرطوم. وهي عيون ذكية لا تخطئ التقدير ولا الاستخلاص. سادساً: لم يكن للأخطاء الفنية واللوجستية المتوقعة التي صححت في اليوم الأول نفسه أو اليوم الثاني للاقتراع، أي تأثير على سير العملية الانتخابية، أو على نزاهتها، او على نتائجها .. فالانتخابات على أيسر تقدير مقبولة من المراقبين الدوليين أذا قورنت بالمعايير الدولية المأخوذة من التجارب الديمقراطية المتقدمة، ولم تشر هذه التقارير أدني إشارة إلى التزوير فقد قارنت هذه التقارير التجربة الانتخابية السودانية بالدول ((المتقدمة)) ديمقراطياً، وليس بدول العالم الثالث. سابعاً وقوع قيادات الأحزاب المعارضة في سوء التقديرات لمواقف قواعدها، وما طرأ عليها من تغيير بحكم عوامل التقدم، وعوامل الابتعاد الاختياري لهذه القيادات عن البلاد ومجريات الأحداث لفترات طويلة لا تعوض، حيث لم يعد الولاء الموروث هو العامل الحاسم في هذه الانتخابات.. فالشعب اليوم هو غير الشعب قبل ربع قرن. أعزي الفوز الكاسح للبشير ولأعوانه الذين شاركوه في المسؤولية بالمؤتمر الوطني للتأييد الشعبي الثابت بالدلائل، كما اعزيه لسوء قراءة أحزاب المعارضة للواقع، بل لمكابرتها ومغالطتها له. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 20/4/2010م