من الطبيعي للغاية و السودان بلد ناهض يحسب ضمن بلدان ما يسمي بالعالم الثالث ، ان تظل تهمة التزوير فى أى انتخابات تجري ، مهما كانت محصنة برقابة و قواعد صارمة، فانتخابات النقابات والاتحادات الطلابية ظلت جميعها تقع تحت مرمي نيران الاتهام بالتزوير ،وهى قصة متكررة ، فالذى يفوز بثقة الناخبين يعتبره خصومه فى الطرف الآخر فاز عن طريق التزوير ! إذن مبدئياً التهمة مألوفة و فى الغالب فان القضاء السوداني لم تسجل مضابطه مطلقاً أحكاماً تتضمن إدانة بالتزوير ، بل فى انتخابات السودان هذه الحالية لم تضع على منضدة القضاء السوداني حتى الآن دعوي جادة قائمة على أساس متين من الادلة والبينات على عمليات للتزوير واسعة النطاق كتلك التى تلهج بها ألسنة الذين لم يوفقوا فيها، فكل ما يرد الى المسامع ،حديث ذي طابع سياسي ممزوج بحرقة و غضب ، الشئ الذى يدل على عدم نضوج فكرة الديمقراطية نفسها فى أذهان غالب القوى السياسية و يزداد العجب حين نطالع فى صحف حزبية معينة قصص تزوير بتفاصيل و ارقام فى حين ان المنطق يقول انه لو كانت هناك صحة لذلك فمكانها ساحة القضاء و ليس صفحات الصحف ،ولهذا فان القارئ الذكي سرعان ما يتبين خطل الادعاء حين يتسائل- ببراءة – عن جدوي نشر قصص تزوير ليقرأها القارئ دون ان توضع أمام الجهة العدلية المختصة لإثباتها ،ومن ثم إدانة من قام بها لتحقيق عدة أهداف ، أولاً ردع المزورين ،و ثانياً استعادة ما سلبوه من حقوق لا يستحقونها ،و ثالثاً ضمان خلو العمليات المقبلة من حالات مشابهة . و الذى حدث حتى الآن ان القصص يتم بثها فى شكل شائعات لا يعدو الهدف منها هو التشكيك ،ومن المعروف ان التشكيك أسهل بكثير من غيره ، إذ يكفي إيراد قصة او مقولة ليتسع نطاق تداولها و تصبغ العملية بصبغة شكوك .و قد يجدر بنا هنا أن نورد تساؤلاً تقتضي الأمانة من الذين يتحدثون عن التزوير الاجابة عليه ، هل كان الرئيس البشير الذى يعلم اى سوداني اتفق او اختلف معه يحظي بشعبية جارفة تضاعفت حتى بعد اتهامه من قبل المحكمة الجنائية الدولية، فى حاجة الى تزوير فى ظل تمتعه بهذه الشعبية؟ ولئن قال قائل و من قائل لك أنه يحظي بشعبية جارفة فاننا نجيبه ببساطة ان كافة القوى السياسية – دون استثناء – حين كانت تطالب بحكومة قومية ، كانت متفقة بشكل قاطع على رئاسة البشير لها ، فهل جاء هذا الاتفاق من فراغ ؟ ثم نتساءل تساؤل آخر ، أفلا يشك لتردد القوى السياسية – و هى امام عتبة الانتخابات- حافزاً للناخبين لاختيار من لم يتردد ،ولم يقدم رجلاً ويؤخر أخري ؟ إن اى ناخب عاقل – مهما كان ولاؤه – يستحيل عليه ان يضع ثقته فى قوى و أحزاب ومرشحين مذبذبين ،متأرجحة مواقفهم ما بين المشاركة و العزوف ، فهم – بهذا التردد المخزي – لم يتركوا له خياراً ، فلماذا يتجاهل هؤلاء (فعلتهم هذه) و يستعصمون فقط بإدعاء التزوير ؟ بل نتسائل تساؤلاً أشمل ، اذا كانت هذه القوى تعلم مسبقاً بأن خصمها المؤتمر الوطني بارع فى التزوير و قد بيت النيّة لذلك – كما زعمت – لماذا لم تكن أبرع منه أذكي لتقطع عليه الطريق ، و لماذا ظلت تشيد بنزاهة العلمية طوال مراحلها ، لتتحدث عن التزوير بعد ظهور ملامح النتيجة؟ إذا استطاع هؤلاء الإجابة على هذه التساؤلات - بموضوعية ودون تذبذب فان بالإمكان أن نصدقهم فيما قالوا !