شهدت الأشهر الماضية التي أعقبت انطلاق عملية الحوار الوطني بالداخل توقيع عدد من الاتفاقيات بالخارج بين الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي من جهة وهو ما عرف بإعلان باريس، وبين الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي وتحالف قوى الإجماع الوطني من جهة أخرى والذي وقع حديثاً وعرف ب(نداء السودان) وهناك اتفاق المبادئ الموقع مع آلية (7+7) وجاءت هذه الاتفاقيات متتالية ابتداءً من (إعلان باريس) الذي وقع بين الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي مروراً باتفاق المبادئ الذي وقعه ممثلاً آلية الحوار الوطني رئيس حركة " الإصلاح الآن" "غازي صلاح الدين" والقيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) "أحمد سعد عمر" بينما وقع رئيس حزب الأمة "الصادق المهدي" ورئيس الجبهة الثورية "مالك عقار" عن مجموعة "إعلان باريس" على اتفاق مماثل، وشهد رئيس اللجنة الأفريقية رفيعة المستوي "ثامبو أمبيكي" على الاتفاقين. وكما هو معلوم شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الأيام الفائتة توقيع اتفاق (نداء السودان) بين "الصادق المهدي" كممثل لحزب الأمة و"أركو مناوي" كممثل للجبهة الثورية وفاروق أبو عيسي" كممثل لتحالف قوى الإجماع الوطني، ومن بعد ذلك ظهرت وثيقة جديدة مهرت بتوقيع "أركو مناوي" وفاروق أبو عيسي" وقال المؤتمر الوطني إنها مرادفة لنداء السودان وعزل فيها "الصادق المهدي" إلا أن الحزب الشيوعي أشار إلى أنها تخص الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني، وحزب الأمة القومي نشاطه مجمد في الإجماع الوطني. رغم هذه التبريرات إلا أن هناك ثمة ملاحظات أولها أن كل الاتفاقات تشابهت في ما حملته من بنود، فعلي سبيل المثال في (إعلان باريس) اتفق الطرفان الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي على عدم المشاركة في أي انتخابات عامة مقبلة إلا تحت ظل حكومة انتقالية تنهي الحرب وتوفر الحريات وتستند على إجماع وطني وتأتي نتاج حوار شامل لا يستثني أحداً. نداء الوطن الذي وقع بالأمس لم يبتعد كثيراً عن مفاهيم تفكيك النظام الشمولي والفترة الانتقالية والانتخابات وترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية ووقف الحرب كمدخل لعلاج أزمات البلاد ومعالجة قضايا التدهور الاقتصادي والتأكيد على أهمية الحوار والشروط الواجب إنفاذها. كثرة الوثائق وتشابه البنود جعل المحللين يسألون عن القيمة السياسية والمستقبلية لهذه الاتفاقيات، وهل تستطيع أن تحدث اختراقات حقيقية على الأرض على ضوء وجود اتجاهين في المشهد السياسي هما الحوار الوطني بالداخل وطاولة التفاوض بأديس بين الحركة الشعبية قطاع الشمال والحكومة؟ هناك من يري أن لهذه الاتفاقيات قيمة ومستقبلاً قد يقود إلى تفكيك النظام وإحداث تغيير جذري في مسارات السياسية السودانية لكن بالمقابل هناك من يعتقد بعدم جدوى هذه الاتفاقيات ويشير إلى أنها كانت بمثابة إعلان للوجود في الساحة السياسية أكثر من أنها عمل إستراتيجي لعمل مشترك بين موقعيها وهؤلاء استندوا في تقييمهم على الكلام العام الذي حوي معظم هذه الاتفاقيات الذي لم يتضمن خطة تفصيلية لعمل مشترك أو حديث عن آليات التطبيق، وجزموا بأن كل مجموعة أتت إلى أديس بأجندتها الخاصة التي لا تحتمل مثل هكذا تحالفات، وعضد هذه الرؤية حديثهم عن أن حزب البعث العربي ظل يتحفظ على أي اتفاق يعقد مع الحركات المسلحة، كما أن اتفاق (إعلان باريس) الذي وقعه الإمام "الصادق المهدي" مع الجبهة الثورية لم يجد التأييد من قوى الإجماع الوطني، وسبق أن قال رئيس قوى الإجماع في سياق تعليقه على (إعلان باريس) إنه لا يثق في أي شيء يفعله "الصادق المهدي" ومن ضمن ما سمعت أنه ليس هناك توافق تام بين القوى التي سمت نفسها معارضة واتجه قادتها صوب أديس رغم كثرة الوثائق، فالحركات المسلحة وقوى التحالف الوطني المعارض ليست سعيدة بتحالف "الصادق المهدي" معها فهي تريده أن يخرج من السودان حتى يقلل من قيمة الحوار الوطني المطروح في الداخل، لكن لا ترغب في قربه منها، كذلك بعد توقيع "الصادق المهدي" على (إعلان باريس) اجتهدت الحكومة في إنتاج اتفاق المبادئ حتى تجب به اتفاق باريس، وسارعت قوى الإجماع الوطني بتوقيع نداء السودان بحجة أن اتفاق باريس كان ناقصاً بينما ظل حزب الأمة القومي متمسكاً باتفاق باريس باعتباره أعم وأشمل أو كما قال نائب رئيس حزب الأمة القومي "محمد عبد الله الدومة" عندما سألته (المجهر) عن نسخة اتفاق (نداء السودان) التي ظهرت بعد يوم من توقيعهم على نسخة (نداء السودان) المعلنة وجاءت تحمل توقيع "أركو مناوي" كممثل للجبهة الثورية وفاروق أبو عيسي" كممثل لقوى التحالف الوطني. رغم إقرار الأطراف الموقعة على (نداء السودان) الصادق المهدي" بحجة أن نشاط حزبه مجمد في قوى الإجماع الوطني إلا أن ظهورها بشكل مواز لنداء السودان يعبر عن وجود أزمة وانقسام داخل المعارضة وعدم ثقة، فإذا كان كل ما فعله "الصادق" في الخارج لم يفك تجميده في الإجماع الوطني يبقي لا فائدة من الوثائق والتوقيعات التي يوثقها الإعلام. في الطرف الآخر لا تبدو قيادات الحركات المسلحة متفاعلة مع ما يحدث بينها والقوى السياسية بسبب رأيها المبدئي في حزب الأمة القومي ورئيسه الإمام "الصادق المهدي" أو على ضوء ما تجريه من حوار وتفاوض مع الحكومة. ما جرى بأديس ألأيام الفائتة وسيجري بعدها يعيد للأذهان تجربة التجمع الوطني الديمقراطي، فالدكتور (جون قرنق) كان متحالفاً مع قوى سياسية كان من بينها الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي لكن عندما حانت فرصة التوافق مع الحكومة لم يتردد في توقيع اتفاق "نيفاشا". والآن يتكرر نفس المشهد بسيناريوهاته المختلفة وربما قاد إلى ذات النتائج حال توصل قطاع الشمال وحركات دارفور إلى اتفاق مع الحكومة حينها ستفقد هذه الوثائق قيمتها لا سيما أن اتفاقيات الحركات المسلحة محمية بسند مؤسسات دولية وإقليمية فيما لا تحظي الوثائق الموقعة بأي سند مؤسسي. نقلاً عن صحيفة المجهر السياسي 2014/12/11م