لعل مراجعة أحداث عام 2014 تُظهر أنه حمل فى معظم أوقاته صورة قاتمة عن أفريقيا تدعو إلى التشاؤم بشكل عام. لقد أضحى انتشار فيروس الإيبولا مؤشراً على فشل سياسات الصحة العامة التى تنتهجها كثير من الدول الأفريقية. وإذا كان ارتفاع عدد الوفيات من الإيبولا فى كل من ليبيريا وسيراليون وغينيا يعد أمراً محزناً ومكلفاً فإن الأخطر هو تأثير هذا المرض على أزمات الصحة العامة الأخرى. إذ مع تكريس كل مرافق الصحة العامة لمواجهة خطر الإيبولا الداهم يُلاحظ أن المرضى الآخرين الذين يُعانون من الإيدز(مرض نقص المناعة المكتسبة) أو الملاريا قد تُركوا وحدهم فى العراء يعانون حظهم العاثر. ومن جهة أخرى أسهمت الحروب الأهلية والحركات الجهادية العنيفة فى عودة الاتجاه التشاؤمى الذى سيطر على الدراسات الأفريقية فى عقد الثمانينيات من القرن الماضي. فالفوضى العارمة التى شهدتها ليبيا- ولا تزال- منذ انهيار نظام الرئيس الراحل معمرالقذافى أفضت إلى تقسيم الدولة إلى إقطاعيات صغيرة تحكمها ميليشيات متشرذمة وجماعات إسلامية متناحرة بالاضافة إلى وحدات منشقة من الجيش الوطني. ولم يتوقف الأمر على ليبيا وحدها حيث انزلقت دولة جنوب السودان إلى أتون الصراعات المسلحة نتيجة التنافس السياسى والعداء القبلى بين أطراف النخبة الحاكمة. على أن التحول الفارق فى العام الذى أوشك على الانقضاء يتمثل فى تغير تكتيكات الحركات العنيفة ذات الاسناد الدينى لاسيما جماعة بوكو حرام فى نيجيريا. فقد تحولت هذه الجماعة إلى استخدام أسلوب السيطرة على الأراضى بحيث بات نحو (20%) من الأراضى النيجيرية تحت سيطرتها، وهو ما مكنها من إعلان نيجيريا ولاية إسلامية تابعة لدولة داعش فى العراق وبلاد الشام. وأحسب أن وجود ارتباط بين بوكوحرام فى الغرب الأفريقى وجماعات جهادية متطرفة فى درنه الليبية قرب الحدود المصرية يمثل أحد ملامح الخيط الناظم لفكرة الخلافة المزعومة التى أعلنها أبوبكر البغدادى من أحد مساجد الموصل. وعلى الرغم من ذلك كله فإن هناك وجهاً آخر للحقيقة فى أفريقيا خلال عام 2014 وهو ما يدعو إلى الأمل والتفاؤل بالمستقبل. فقد شهدت منطقة الجنوب الأفريقى ستة انتخابات رئاسية فى كل من بوتسوانا وملاوى وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا. وطبقاً لتقارير الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقى (سادك) كانت هذه الانتخابات نزيهة وحرة وسلمية إلى حد كبير. وقد أعطت الاحتجاجات العفوية التى خرجت إلى شوارع واغادوغو عاصمة بوركينافاسو فى أواخر أكتوبر 2014 وأجبرت الرئيس بليزكومباورى على الاستقالة الأمل فى قدرة الشعوب الأفريقية على التغيير. لقد كان ربيع بوركينافاسو ذو دلالة واضحة ورسالة إلى جميع الحكام الأفارقة الذين يرغبون فى الاستمرار بمناصبهم مدى الحياة. إن مثال ثورة الشباب فى واغادوغو التى حاكت ثورات الربيع العربى فى الشمال الأفريقى لا سيما فى مصر وتونس يؤكد أن كرسى الحكم ليس دائماً وأن السلطة الحقيقية تكمن فى أيدى الجماهير. لم تكن الانتخابات الناجحة وربيع أفريقيا الذى دشنته بوركينافاسو هى الأمور الوحيدة التى تدعو للتفاؤل فى أفريقيا. لقد شهدت القارة نهوضاً اقتصادياً واضحاً بحيث نجد أن سبعة من أسرع الاقتصادات العالمية نموا موجودة فى القارة السمراء. وقد أظهرت تقديرات أبريل 2014 أن إجمالى الناتج القومى النيجيرى قد بلغ نحو (510) مليارات دولار، وهو ما يجعل الاقتصاد النيجيرى أقوى اقتصاد أفريقى على الإطلاق ، بل ويأتى متقدماً على اقتصاد جمهورية جنوب أفريقيا. وربما يعزز ذلك من مطالبة نيجيريا بعضوية جماعة البركس التى تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا. وعليه فإنه عوضاً عن التركيز على النصف الفارغ من الكوب والاستغراق فى تفاصيل الأمراض القاتلة والحروب المسلحة يمكن النظر إلى الصورة الكلية لأفريقيا الناهضة لاسيما فيما يتعلق بإمكاناتها الاقتصادية ومواردها الطبيعية الهائلة. ونستطيع أن نحدد ثلاثة ركائز أساسية لتحقيق العبور الأفريقى نحو المستقبل وذلك على النحو التالي: أولاً: يشكل الشباب كلمة السر التى تحقق حلم النهضة الأفريقية. فالقارة الأفريقية قارة فتية من بين قارات العالم الأخرى. وطبقاً لتقديرات الأممالمتحدة عام 2012 يربو عدد سكان أفريقيا عن المليار نسمة. ويشكل الشباب فى سن الثلاثين وما دون ذلك نحو (70%) من هذا الاجمالي. ويلاحظ أن أكثر من نصف الشباب هم من الإناث. ولعل دور الشباب فى الانتفاضات الشعبية فى الشمال والغرب الأفريقى يؤكد أهمية ومحورية عنصر الشباب فى المعادلة السياسية لأى دولة.ويعانى الشباب عموماً من البطالة والفقر والتهميش وهو ما يتطلب ضرورة ادماجهم فى سياسات التنمية وتطوير سياسات شبابية فعالة تستلهم الخبرات الأخرى الناجحة لاسيما فى مناطق أمريكا اللاتينية والباسيفيكي. ثانياً: تعد القيادة الصالحة والمسئولة عنصراً لازماً للتخلص من هشاشة الدولة وعجزها عن القيام بوظائفها فى أفريقيا. فالقارة الأفريقية غنية بمواردها الطبيعية والبشرية، ومع ذلك فإن الفساد وسوء الإدارة أعاقا الجهود الرامية إلى إقامة مجتمعات أكثر عدالة. لقد سيطرت النخب الحاكمة فى أعلى الهرم الإجتماعى دائماً على مصادر الثروة والسلطة، وعلية فإن الخطوة الأولى للنهضة تكمن فى ضرورة التخلص من الحكام الفاسدين من أجل ترسيخ قيم المساءلة والشفافية. ولاشك أن نماذج الحكم الرشيد الفعالة ومشاركة المجتمع المدنى تعد المفاتيح الأبرزلتدعيم الإصلاحات السياسية المستدامة خلال هذه اللحظة الحاسمة فى تاريخ أفريقيا الحديث. وهذا يعنى استئصال جذور الفساد وسوء الإدارة. كما أنه يعنى كذلك تشجيع ظهور جيل جديد من القادة الذين يتمتعون بقدر كبير من النزاهة والشفافية، فضلا عن بروز دور منظمات المجتمع المدنى التى تمتلك القدرة على محاسبة هؤلاء القادة الجدد. وعلى أية حال فإن بيئة الحوكمة فى أفريقيا آخذة فى التحسن وإن كان الأمر يختلف من دولة لأخرى - وهو أمر مهم فى حالة استمراره ودعمه من أجل نهضة وازدهار أفريقيا. ثالثاً: تمثل البيانات والمعلومات ركيزة أساسية فى تشكيل سياسة الحكومات. ولا يخفى أن معظم الدول الأفريقية تفتقر لوجود قواعد بيانات سليمة، وهو ما يجعل مسألة تقويم الأداء والسياسات العامة غير ذات معنى. وعلى سبيل المثال فإن أكبر عوائق السياسات العامة المرتبطة بالشباب يتمثل فى غياب قواعد المعلومات الصحيحة. وطبقاً للمثل الشائع فإنه لا يمكنك إدارة شىء لا يمكنك قياسه. يعنى ذلك ضرورة أن يعتمد صناع القرار والسياسات فى أفريقيا على قواعد بيانات سليمة وكافية فى كل مجالات ونواحى التنمية. إن أفضل وسيلة لتحسين أداء أى حكومة تكمن فى زيادة قدرتها على إدارة المخاطر وتحقيق النتائج المرجوة. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق التحول نحو صنع السياسات القائمة على البيانات المناسبة. وإذا كان ذلك يبدو ذلك بدهيا، فإن التحدى الذى يواجه افريقيا يتمثل فى عدم وجود بيانات إحصائية جيدة وكافية. من المؤكد أن الشكوك المحيطة بهذه الرؤية حول العبور الأفريقى للمستقبل قد تبدو هائلة وتدعو للقلق. ومع ذلك فإن التحرر من سياسات الماضى مع تبنى رؤى التغيير السياسى والاصلاح المؤسسى سوف يحقق لا محالة حلم النهوض الأفريقى المنتظر.