المناورات العسكرية الكبيرة التي قامت بها البحرية الإيرانية تساندها قوات برية وجوية قبل أيام تضع منطقة الخليج العربي في مواجهة استحقاقات عاجلة، فإيران التي تتعرض لحالة من الخنق الاقتصادي والتهديد المستمر بعمل عسكري ضدها من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، ويظهر ذلك من خلال الحركة العسكرية الدؤوبة على الأرض على شكل مناورات واستعراضات أو من خلال بث "ألغام إعلامية" عن إنجازات نووية أو في مجال التصنيع العسكري. بطبيعة الحال قد يعتبر البعض ما تقوم به إيران مجرد "حرب نفسية" لإرهاب الخصوم وثنيهم عن مهاجمتها، لكن دوائر أمريكية وأوروبية وإسرائيلية تأخذ ما تقوم به إيران بكل جدية . المصدر الوحيد عن تفاصل المناورات الإيرانية الأخيرة هي إيران نفسها، وبالتأكيد ان الدوائر الاستخباراتية الغربية قد يكون عندها بعض التفاصيل التي لا تعلن عنها، ولكن إذا تعاملنا مع هذه "المعلومات الإيرانية"، اعتمادا على التصريحات المختلفة للمسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين وحللناها "نظريا على الأقل" فإننا نبدو أمام قوة بدأت تغير من تكتيكاتها من المواجهة العسكرية الشاملة إلى إستراتيجية "اضرب واهرب" واعتماد أساليب التخريب الميداني أو الضرب عن بعد. فالمناورات البحرية الأخيرة والتي أطلق عليها اسم "الرسول الأعظم 5 " تميزت بخفة الحركة والسرعة، فقد عمدت القوات البحرية الإيرانية والحرس الثوري إلى استخدام زوارق سريعة وذكية للوصول إلى أهداف الخصوم وإضافة لذلك تم تجريب عدد من الصواريخ والقذائف الذكية ، واستخدام زوارق آلية بدون طواقم يمكنها مهاجمة السفن في الخليج. واختبر الحرس الثوري زورقا سريعا جديدا يمكنه نسف سفن العدو، إضافة إلى التدرب على منع الخصوم من إيجاد جسر شرق مضيق هرمز يؤثر على القوات البحرية الإيرانية أو يمكنه من التحكم بالمضيق، كما شاركت، حسب المصادر الإيرانية 30 قطعة بحرية وعشرات الغطاسين في عمليات بث الألغام للقوة البحرية للحرس الثوري. إلى جانب مشاركة 300 زورق في المناورات. وهي الزوارق التي اعتبر المحلل العسكري تيودور كاراسيك مدير الأبحاث في معهد الشرق الأدنى استخدامها : " أداة فعالة ضد العدو" قد تتحول إلى كابوس أيضا. ومن وجهة نظر غربية فإن بعض الخبراء يرون أي هجوم ضد إيران محفوفا بالمخاطر، ويقول سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن "العالم لا يحتمل تكلفة العبث مع إيران.." لأن ذلك سيهدد إمدادات النفط المتدفقة يوميا من الشرق الأوسط إلى الولاياتالمتحدة واليابان ودول غرب أوروبا بالإضافة إلى بعض الدول الآسيوية. والسؤال هو هل تستطيع إيران بالفعل إعاقة حركة النفط في المضيق؟، يرى العديد من المسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية أن طهران قادرة على غلق مضيق هرمز إذا رغبت في ذلك. حسب دراسة أعدتها وزارة الدفاع الأمريكية من الواضح أن إيران تستطيع أن "تخرمش" جيدا إذا تعرضت لأي هجوم، وهي أعلنت عن إستراتيجيتها بكل وضوح بأنها ستهاجم إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة وستغلق مضيق هرمز.. وهذا يعني أن كل المنطقة بما فيها الدول العربية والخليج العربي ستكون ساحة للحرب، وهي حرب مدمرة لأنها ستحول المنطقة إلى كتلة من اللهب وتؤثر على اقتصاديات جميع الدول، وهذا يتطلب حركة عربية حاسمة لتقرير مصير المنطقة التي يبدو أنها أصبحت مثل كرة تتقاذفها إيرانوالولاياتالمتحدة وإسرائيل، فما يجري لا يحتمل حالة الجمود التي نشهدها، فإسرائيل تهدد بشن حرب على إيران، والولاياتالمتحدة لا تستبعد شن حرب نووية عليها، وهي تهديدات نتعامل معها وكأن إيران في كوكب آخر وليست على مرمى حجر منا. ما يجري على الشاطئ الآخر من الخليج العربي يحتاج إلى إستراتيجية عربية تمنع الولاياتالمتحدة وإسرائيل من إشعال المزيد من الحرائق في المنطقة وتضغط على إيران لتعيدها إلى رشدها بعيدا عن "المغامرات الثورية" حالة الجمود العربية في منطقة الخليج العربي ليست خطأ بل خطيئة، فمصير هذه المنطقة يجب أن لا يقرر في طهرانوواشنطن وتل أبيب، بل يجب على العواصم العربية أن تكون طرفا في هذه المعادلة والركون إلى الآخرين للدفاع عنا يعني الهلاك بعينه، ففي لغة المصالح لا يوجد أصدقاء دائمون بل مصالح دائمة، ومن العبث الاعتماد على الولاياتالمتحدة كليا، فهذا الأمر قد يكلفنا غاليا، وإذا كان الغرب يقولون إن العبث مع إيران سيكلف العالم ثمنا غاليا فإن العرب سيدفعون ثمنا أغلى لهذا العبث. المصدر: الشرق 28/4/2010