مع أنه لم يتضح الآن مدى قبول المؤتمر الوطني وشركائه في حكومة الوحدة الوطنية بالمقترح الأمريكي الذي تقدم به الموفد الأمريكي الخاص إلى السودان (سكوت غرايشن) لحل المشاكل العالقة بين المؤتمر والحركة بشأن الاحصاء السكاني والانتخابات العامة والذي كانت خلاصته رفع عضوية البرلمان من (450) عضو الى (510) مع الاحتفاظ للحركة الشعبية بما أسماه المقترح الثلث الضامن لتمرير القوانين بالاتفاق في حالة فوز المؤتمر الوطني بالأغلبية. الاّ أن ما يمكن استخلاصه من هذا المقترح بعيداً عن موقف المؤتمر الوطني وبقية القوى السياسية هو أنه محاولة (الدعم) الحركة الشعبية وتزويدها (بدعامات) تسندها قليلاً!! والأمر على هذا النحو يبدو وكأنه استحداث لصيغة اضافية جديدة لاتفاق نيفاشا الموقع في التاسع من يناير 2005. وذلك لأن المقترح، يمنح الحركة الشعبية شئ أقرب الى (حق النقض) المعمول به في مجلس الأمن الدولي، لأن من المتعارف عليه – بداهة – أن تمرير واجازة القرارات والقوانين في البرلمان والمجالس المختلفة إنما يتم عبر الأغلبية سواء كانت بسيطة او أغلبية محددة فهذا هو مقتضي الممارسة الديمقراطية صحيح انه قد تكون هناك قوانين أو قضايا وأمور تستلزم التوافق حولها لأن التراضي والتوافق أدعى للاستمرارية وأدعى لاستدامة الاستقرار. ولكن ما من شك أنه ليس من العدل في شئ أن يكون لطرف لا يملك الأغلبية الحق في التأثير على الميزان، أو تجاوز الأغلبية، فالأمر هنا لا نربطه بالمؤتمر الوطني وإنما بأي قوة سياسية أخرى لأن الديمقراطية هي ارتضاء قرار الأغلبية ولأن الأغلبية هي المجموعة التي نالت ثقة الناخبين أو فرضها الواقع القائم في ظروف معينة. ويكشف هذا المقترح بجلاء سواء قبله المؤتمر الوطني أو لم يقبله عن أن الحركة الشعبية تتكئ على قوة الآخرين في الحصول على ما تعتبره حقوقاً لها لأن الجميع يعلم أن الحركة ما جلست الى التفاوض في نيفاشا الا بعد أن اعتبرت نفسها نداً سياسياً للحكومة القائمة آنذاك وهي ذات الحكومة التي تشاركها الآن السلطة، فما الذي استجدّ لكي تمنح الحركة (شيئاً خاصاً) يميزها عن الآخرين؟ وأين هو حق تقرير المصير الحق الفريد المتميز الذي لم ينله أي إقليم سوداني من قبل ولن يناله من بعد، وإنما ناله الإقليم الجنوبي وصارت لديه الفرصة لاختيار الوحدة أو الانفصال بعد فترة انتقالية مدتها ست سنوات؟! ان الخشية التي نخشاها كمراقبين من مثل هذه المقترحات المتحيزة للحركة الشعبية وتخصيص حقوق خاصة لا سند لها، هو أن يأتي فيه يوم تطالب فيه الحركة – دون وزن سياسي أو أحقية – بحكم السودان كله هكذا لمجرد أنها حركة جنوبية تستحق (الشفقة السياسية) ومعاملتها (معاملة خاصة)!!