الاستقبال العفوي الذي وجده الرئيس عمر البشير لحظة قدومه من القمة العربية المنعقدة بالقاهرة أمس الأول ينم عن وعي شعبي كبير بمجريات الأمور السياسية، ويؤكد علي عبقرية الشعب السوداني وتميزه وذكائه وهو يوفر الدعم المعنوي لإسناد الدولة في مسعاها نحو الانحياز للحلف العربي والإسلامي. نعم اتخذت الحكومة القرار الصائب وهي تمضي باتجاه منظومة تحالف (عاصفة الحزم) وتتحرر من التردد وتغادر مربع الانتماءات الرمادية في عالم أصبح لا يعرف إلا لونين ابيض أو أسود، كما أن الخرطوم اهتبلت السانحة تماماً وهي تمضي لترميم العلاقات مع السعودية ودول الخليج في لحظة فارقة من عمر التاريخ، فكان واضحاً أن السودان يدعم أمن المملكة العربية السعودية ويسعد أن يضع كل إمكانياته لحماية الحرمين الشريفين، كما أن الخرطوم تنحاز الى قرار الجامعة العربية في هذا الصدد والذي بارك بوضوح التحركات السعودية لإعادة الاستقرار في اليمن. كتبنا منذ فترة أن بصيرة وزارة الخارجية قد اتسعت لاستيعاب التطورات الجديدة في المنطقة والتعامل معها بعقل مفتوح، اتضح لاحقاً أن فك الارتباط مع إيران والاتجاه نحو المحور الخليجي كان يهيئ الساحة الى تحولات جديدة تتبناها الحكومة السودانية وتصحح بها جملة من الأخطاء التي ظلت ملازمة لأدائنا الخارجي طيلة العشرين عاماً الماضية. أميز ما في قرار الالتحاق بالمحور الخليجي في (عاصفة الحزم) الاستفادة من دروس الماضي، إذ ظلت تجربة حرب الخليج حينما اجتاح العراقالكويت وموقف السودان آنذاك جاثمة على صدر حراكنا الخارجي طيلة السنوات الماضية وهي التي رتبت كثيراً من الأعباء والفواتير علي حكومتنا وأدخلت البلاد في نفق العقوبات ودوامة المواجهات مع المجتمع الدولي. نعم أكد الشعب السوداني عظمته وهو يستلم تجارب الماضي ويصحح بها أوراق الحاضر ونجح في تبني موقف داعم للحكومة في توجهاتها الجديدة، فخرج لاستقبال الرئيس عمر البشير في تلاحم عفوي عبر عن ذكاء السودانيين كشعب تمرس علي السياسة والريادة والمبادرة في القضايا الإقليمية والدولية، لم يخرج للتظاهر ولا للهتاف ضد الانتخابات في حملة (أرحل) ولا احتجاجاً علي انقطاع المياه، وإنما أبرم وعداً في (عز الهجير) مع الرئيس البشير لمباركة قرار الانضمام إلى الحلف العربي والإسلامي. (علي كل) أحسنت الحكومة القرار ولم تتعب كثيراً في إقناع شعبها بما عزمت عليه لأنه مفطور على التضحية من أجل العروبة والإسلام، وبقي أن تتجه الدولة بكلياته للإبحار مع مصالح بلادنا أينما كانت والتفكير بمنطق يتجاوز العواصف والاكليشيهات والانتماءات والهتافات الباردة ويجدر بها الانتقال إلى ما يحقق مصالحنا بعيداً بالتأكيد عن محاولات الإذلال والتركيع بالطبع. تستحق الدولة التحية على ما قررت وعزمت وتوكلت، ويحتاج هذا الشعب الانحناءة والتقدير والاحترام وهو يمنح الحكومة استشارات عفوية تدعم خطها وتسند ظهرها أثناء الملمات والمحن وادم الشعب السوداني عزيزاً وعلماً، ونتمني أن يقطف السودان قريباً ثمار التحولات الجديدة. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 2015/3/31م