المراقب للظرف الذي عقدت فيه الالية الافريقية الملتقى التحضيري للحوار السوداني ، بأديس أبابا يجد أن الأمر غير منطقي بعد رفض الحكومة وآلية الحوار الوطني المشاركة فيه قبل الانتخابات، خاصة وأن الحكومة هي الطرف المعني بتقديم إجابات وتنازلات إذا لزم الأمر، من أجل إلحاق الرافضين بالعملية السياسية والحوار الداخلي.فالأحزاب المعارضة غير جادة في الحوار، ويدلل على ذلك تصريحات الصادق المهدي التي قال فيها إن الحوار الوطني قد مات ودفن في مقابر أحمد شرفي، و معظم أحزاب المعارضة الموجودة في أديس، إما مقاطعة للحوار الوطني أو منسحبة منه. والآلية الأفريقية لم تدعُ الحكومة للمشاركة في المؤتمر التحضيري بأديس أبابا، ، فالآلية الأفريقية رفيعة المستوى والحركة الشعبية، لم تلتزمان بالاتفاق الذي تم سابقاً معهم بأديس، حول أجندة الحوار الخاصة بدعوة ممثلين للجنة "7+7"، مقابل دعوة الحركات المسلحة للاتفاق حول خارطة الطريق والضمانات المطلوبة.ويقول مراقبون أن المؤتمر الوطني تفاجأ بتقديم الدعوة لعدد من الجهات التي لا يعرف من تمثل، لذا فإن عدم مشاركته في الملتقى التحضيري، بسبب أن الدعوة جاءت متأخرة، في ظل انشغال الجميع بالانتخابات، بجانب أن العملية الانتخابية تبقى لها عشرة أيام، ولا يتوقع عاقل من الأحزاب وأشخاص يتنافسون في الانتخابات، أن يشاركوا في مؤتمر خارج السودان.والمطالب التي عرضها ياسر عرمان وتحالف المعارضة، هو إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، تعد رسالة سالبة للمواطن السوداني، ولا يمكن للمؤتمر الوطني و"44" حزباً تتنافس في الانتخابات، أن تقبل مجرد الحديث عن إلغاء الانتخابات.ف(الوطني) ملتزم بحوار شفاف وشامل داخل البلاد، والحوار سينطلق بعد الانتخابات بأقوى ترتيب ممكن ، ولن تتردد الحكومة في توجيه الدعوة للمعارضة وحملة السلاح ونقبل بأية تفاهمات يمكن أن تقود للإجماع الوطني. وترى الأطراف الخارجية، ذات المصالح الضخمة في السودان، أن إستجابة أحزاب المعارضة إلى الحوار الوطني، يعني نسف كافة الإستراتيجيات والرهانات المرسومة تجاه السودان منذ أمد بعيد، ونجاحها يتوقف على بقاء السودان مشدوداً من أطرافه. ورغم الشُقة التي تفصل بين أحزاب المعارضة، وحالة عدم الثقة المتجذرة فيما بينها، جرت عدة محاولات لتجسيد العلاقات والتواصل بين تلك القوى بعضها تجاه بعض، وتعتبر "وثيقة الفجر الجديد" التي وقعت في أواخر العام 2012 محاولة لتأسيس كيان سياسي موحد سياسياً وعسكرياً، لإقامة نظام بديل لنظام الحكم القائم في السودان، إلا أن ذلك الرهان قد فشل، وجاءت الدعوة إلى الحوار الوطني لتأتي على ما تبقى من ذلك الميثاق والرهانات المعقودة عليه، رغم التعثُر الذي طرأ على مسيرة الحوار الوطني في شهوره الأولى، ذلك أن أحد أهم الإستراتيجيات التي هدفت إليها "وثيقة كمبالا"، فيما لو كُتب لها النجاح، هي تمكين القوى والحركات المتمردة من إمتلاك القوة والنفوذ السياسي، والجمع بين القدرتين السياسية والعسكرية، بما يؤهلها لقيادة السودان، وتجاوز القوى السياسية والاجتماعية، التي تصنف على أنها "تقليدية" و"مركزية"، ولا تختلف عن المؤتمر الوطني بشيئ. عموماً فإن الشواهد والوقائع تؤكد بان قطار الحوار الوطني ماض إلى محطته الأخيرة بمن استغله ، حيث أن الظرف الإستثنائي الذي تمر به البلاد والتحديات المحلية والاقليمية والدولية تفرض على الجميع إستغلال هذا القطار الذي قطعا سيصل محطة الإتفاق والتوافق الوطني حول القضايا المصيرية للبلاد التي أسخنتها الجراح كثيراً ، لذا فالجميع هنا مطالب بالوصول إلى توافق سياسي أولا، مع التشديد على ضرورة التمييز بين القانون الساري والجوانب السياسية التي يجب التحاور حولها. فقوانين العقوبات والقانون الجنائي والأمن الوطني لا تلغى بجرة قلم، ولا تتم عليها أي إضافة أو تعديلات إلا بالتوافق السياسي الشامل، لأنه لا يمكن لجهة ما أن تلغي قوانين سارية إلا إذا حدث توافق سياسي في البلاد، ثم بعد ذلك توجد الآليات اللازمة لتحويل هذه الإرادة السياسية.