طوال سنوات ما بعد استقلال السودان في يناير/كانون الثاني ،1956 ظلت إشكالية تحديد الهوية السودانية حاضرة في صميم الحوارات الثقافية والفكرية والصراع السياسي في السودان . "مَن نحن؟" هل نحن عرب؟ أفارقة؟ أم أننا سودانيون نمثل مزيجاً فريداً يستلهم أفضل ما في الجانبين ويعبر عنه في صورة الأمة الجديدة؟ وفي جوهره الأعمق يتصل السؤال بقضية تحديد الانتماء والنسب بالنسبة للفرد، كما هو بالنسبة إلى الجماعة الصغيرة أو الشعب الكبير . بينما تمثل الإجابة عنه خطوة حاسمة لتحقيق الانسجام القومي ودفع عجلة التطور الاجتماعي والسياسي . وعبر السنوات لم ينجح السودانيون في الاتفاق على إجابة عن السؤال المحوري والحارق، وحتى بعد مأساة انفصال الجنوب والمخاطر التي تهدد أجزاء أخرى من القطر، فإن البروفيسور محمد أبو القاسم حاج حمد أكد أن "هوية السودان لم تتشكل بعد"، بينما أكد الدكتور منصور خالد أن الهوية الجامعة لأهل السودان هي السودانوية، أي الاعتراف بأن جميع أهل السودان سودانيون . ومدرسة الغابة والصحراء التي تألقت في حقبة الستينات والسبعينات وجدت إجابتها عن سؤال الهوية في نموذج "السلطنة الزرقاء"، وهي المملكة التي نشأت عبر تحالف العرب والفونج، وفي محاولة لتوضيح وشائج السودانيين وانتمائهم القومي كتب الشاعر السوداني محمد عبد الحي قصيدته الشهيرة "سنار"، وفيها يقول بلسان الإنسان السوداني: بدوي أنت؟ لا . . من بلاد الزنج؟ لا . . . أنا منكم تائه عاد يغني بلسان ويصلي بلسان . ولكن ما هي مناسبة هذا الحديث؟ في الواقع لقد أسعدتني الدعوة الموجهة من مؤسسة الشارقة للفنون ومعهد دراسات الحداثة المقارنة (جامعة كورنيل)، لحضور مؤتمر "الحداثة وصناعة الهوية في السودان" الذي ينطلق غداً (الجمعة) ويستمر حتى الأحد . وكما توضح الدعوة، فإن المؤتمر يسلط الضوء على حقبة الستينات والسبعينات باعتبارها حقبة محورية شهدت صعود العديد من الحركات الحداثية التي شكلت انعطافات جذرية في المشهد الأدبي والفني، أفرزت زخماً هائلاً من الأنشطة في كافة مجالات الإنتاج الثقافي والفني . ويشارك في المؤتمر نخبة من صناع الأحداث في تلك الفترة، بينهم الدكتور منصور خالد والشاعر محمد المكي إبراهيم والتشكيلي إبراهيم الصلحي، جنباً إلى جنب مع الأجيال الشابة من العلماء والفنانين والنقاد . ومما لا شك فيه أن السودانيين سيتوصلون يوماً إلى التوافق على مفهوم موحد لمفهوم الهوية القومية، توافق يهدئ مخاوفهم ويبعث فيهم روحاً جديدة مفعمة بالثقة والاعتداد . وفي انتظار ذلك اليوم، فإن محطة الشارقة ستظل نقطة مضيئة وملهمة في تاريخهم . كما أن مشاعر الود والامتنان لن تجف أبداً للحساسية التي أظهرتها إمارة الشارقة في تلمس همومهم ومشاركتهم الإحساس بأهميتها . المصدر: الخليج 9/4/2015م