في يوليو 1966، نشر جيمس بالدوين تقريراً بعنوان «تقرير من الأراضي المحتلة»، وهو عبارة عن مقال يبعث على اليأس في الأمة التي تفكر في العلاقات العنصرية في حي «هارلم» بنيويورك ومدن أميركية أخرى. وكتب «بالدوين» واصفاً الإحساس العميق باليأس الذي يسود مجتمع السود: «إن الأطفال، بعد أن رأوا الهزيمة المذهلة لآبائهم- حيث يرون ماذا يحدث لأي زنجي سيئ، وأكثر من ذلك، ما يحدث للصالحين منهم- لا يستطيعون الإنصات إلى آبائهم، وبالطبع لن ينصتوا للمجتمع المسؤول عن حالة اليتم التي يعيشونها». وبعد خمسين عاماً، يكون من المفجع والمثير للغضب سماع هذه الكلمات وإدراك التغيير الطفيف الذي طرأ على الواقع الذي تصفه. وأعمال الشغب الأخيرة في بالتيمور عقب وفاة الشاب الأسود «فريدي جراي»، الذي أصيب بجروح قاتلة أثناء احتجازه بقسم الشرطة، كان من الممكن التنبؤ بها. وفي جميع أنحاء البلاد، يعد «جراي» هو الأحدث في سلسلة طويلة من الرجال السود الذين قتلوا، لأسباب غير مفهومة. كما أن بالتيمور هي أحدث مدينة، ولكنها على الأرجح لن تكون الأخيرة، حيث بلغ الإحباط لدى السود نقطة الغليان، وامتد إلى الشوارع. وعلى رغم ذلك، فإن الاضطرابات التي شهدتها بالتيمور ومدن أخرى لا تتعلق فقط بمجرد حالة وفاة واحدة، أو حتى قضية منفردة لوحشية الشرطة. إنها تتعلق بالعنصرية الهيكلية، وعدم المساواة والفقر الذي ساد مدننا وأصاب مجتمعنا الأميركي لفترة طويلة. وفي الواقع، فإن الانقسامات العميقة التي تتجلى حالياً تعكس نتائج لجنة «كيرنر»، التي شكلها الرئيس ليندون جونسون لدراسة الأسباب الجذرية لأحداث الشغب العنصري التي اندلعت في 1967. وقالت اللجنة في تحذيرها الشهير «إن أمتنا تتجه نحو مجتمعين، أحدهما أسود والآخر أبيض- منفصلين وغير متكافئين. وقد خلقت العزلة والفقر في الغيتو العنصري بيئة مدمرة وغير معروفة تماماً لمعظم الأميركيين البيض». وأضافت اللجنة أن وسائل الإعلام «لم تنقل إلى أغلبية الجمهور- وهو من البيض- الشعور بالإهانة والبؤس واليأس في الحياة في المعزَل العنصري». واليوم يتردد صدى الانتقاد الموجه إلى الإعلام، حيث إن التغطية المثيرة للدمار والنهب قد تجاهلت في كثير من الأحيان التخريب الممنهج للمجتمعات التي يحدث فيها ذلك. بيد أن الفصل بين مجتمع البيض و«الغيتو» الأسود، كما يفسر ريتشارد روثشتاين، من معهد السياسات الاقتصادية، كان متعمداً. وحتى بعد انتهاء قوانين «جيم كرو» التمييزية، تآمرت عقود من الإسكان التمييزي أيضاً وسياسات العدالة الجنائية الصعبة لحصر الكثير من الأميركيين السود في «الغيتو» -أو السجن- مع القليل من الأمل في المستقبل. وقال: إن «بالتيمور قد شهدت قرناً من سياسة عامة تهدف إلى عزل وإفقار سكانها السود». وقد أصبح من المستحيل تجاهل العواقب المأساوية للمجتمعات الحضرية في أميركا. وفي بالتيمور، مثلاً، هناك تراجع مروع، بنحو 19 عاماً، في متوسط الأعمار. وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن «متوسط الأعمار انخفض في 15 حياً في بالتيمور، مقارنة بكوريا الشمالية. بينما يزداد الأداء سوءاً في ثمانية أحياء مقارنة بسوريا». وفي الوقت نفسه، ذكر تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً أن حوالي 1,5 مليون رجل أسود «مفقودون» من المجتمع، وغالباً نتيجة للسجن أو الموت المبكر. ومن المثير أن ترى شخصيات قيادية مثل مدعية مدينة بالتيمور «مارلين موسبي»، التي أعلنت الأسبوع الماضي عن التهم الموجهة لستة ضباط متورطين في القبض على «جراي»، حيث اتسمت المدعية بالشجاعة للدفع من أجل العدالة. وقالت المدعية: «إلى شعب بالتيمور والمتظاهرين في جميع أنحاء أميركا، لقد سمعت نداءكم "لا عدالة ولا سلام"». وتعد موسبي، 35 عاماً، هي «أصغر مدعية في مدينة أميركية كبرى». وهناك أيضاً بعض الأمل في الزخم المتزايد لنزعة الابتعاد عن التحزب التي تهدف إلى إصلاح العدالة الجنائية ومعالجة قضايا السجن الجماعي والشرطة غير الخاضعة للمساءلة. إن هذه اللحظة تتطلب أجندة حضرية قومية تدرك المطالب الملحة لمشاكلنا- أجندة تصلِح ليس فقط نظام العداالة الجنائية، ولكن أيضاً مشكلات عدم المساواة التي تبقي على الكثير من الأميركيين السود محاصرين في سجن الفقر. إننا بحاجة إلى أجندة جادة لتعزيز التعليم وتوفير فرص العمل وتقدم الأمل للأميركيين الفقراء. *كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» المصدر: الاتحاد الاماراتية 7/5/2015م