لم تأت الأممالمتحدة بجديد حين أعلنت أن هناك 300 ألف إنسان بحاجة إلى مساعدات غذائية طارئة في ولاية «الوحدة» بجنوب السودان بعد تجدد المعارك بين القوات الحكومية والمعارضة، أما الجديد الذي يؤكده واقع الحرب الأهلية في هذا البلد فيعاود رسم نفسه ناسفاً كل المساعي التي بذلت من حل سياسي يأتي بالسلام. اللافت أن التدهور الجديد للوضع في «الوحدة» والمرجح أن يمتد إلى ولايات أخرى، جاء بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن جنوب السودان يواجه خطراً داهماً، بعد أن سقط من القائمة الأمريكية بالبلدان ذات «الوضع الخاص»، والتي تحظى بأولوية الاهتمام والمساعدة من واشنطن، مثلما سقط أيضا من دائرة الاهتمام الأوروبي وأصبح من النادر أن يتحدث مسؤول في بروكسل عن جنوب السودان وما يشهده من حرب أو سلام، أما إقليميا، فالأحداث المندلعة في بورندي على ضفاف البحيرات العظمى تشغل دول شرق إفريقيا التي لا تملك آليات عسكرية واقتصادية جبارة تمكنها من إنهاء صراعات عرقية تخيم على تلك المنطقة. ومن الجانب السوداني، لا تبدو العلاقة بين الخرطوم وجوبا في أحسن أحوالها بالنظر إلى الأزمة الدبلوماسية والأمنية الجارية بين البلدين. وفي ضوء المعطيات السياسية الخارجية، ليس هناك ما يمنع الوضع الداخلي من العودة مجدداً إلى مربع الحرب الأهلية، فالمحاولات التي جرت للمصالحة بين الرئيس سلفا كير وخصمه اللدود رياك مشار لم تفلح، وظلت أسباب اندلاع الصراع المسلح بين الجانبين في 2013 خامدة وتنتظر الظرف المناسب لتندلع من جديد. وطوال الفترة الماضية بقي سلفا كير في مكانه لم يغير ولم يتغير، بينما بدا معارضوه أكثر نشاطاً منه بأن أعادوا ترتيب أولوياتهم ونجحوا في استقطاب قوات من الجيش النظامي إلى صفوفهم، فيما استطاع مشار أن يروج لقضيته في دول المنطقة، حيث حل الشهر الماضي ضيفاً على الخرطوم. ومن الطبيعي أن يكون خلافه مع سلفا كير قطب محادثاته مع المسؤولين السودانيين، وذلك بالتزامن مع التوتر بين الخرطوم وجوبا اللتين تتهم إحداهما الثانية بإيواء معارضين، وهي التهمة الجاهزة دوماً بين البلدين منذ عملية الانفصال. أغلب المؤشرات تؤكد أن الوضع في جنوب السودان دخل مطباً صعباً، ولن يكون من السهل الخروج منه هذه المرة. فثأرات معارك العام قبل الماضي لم تحسم بعد، والاحتقان العرقي على أشده لاسيما بين قبائل «الدينكا» التي ينتمي إليها كير وقبائل «النوير»التي ينتمي إليها مشار، كما أن الوضع الانساني الصعب الذي تمر به عشرات الآلاف من اللاجئين سيكون وقوداً إضافياً للحرب المحتملة، فالكثير من أولئك لجأوا إلى الأحراج والغابات ويعيشون منذ أشهر يطاردهم الرعب والجوع والمرض ولم يجدوا مخرجاً فعلياً. وحين تعلن وكالات الإغاثة الدولية عن بدء سحب موظفيها من مناطق النزاع ستصبح الكارثة الانسانية لا تطاق، وحينها ستسقط جنوب السودان في دوامة العنف والفوضى بعدما سقطت فعلياً من أجندة السياسة الدولية بسبب تراكم الأزمات وفقدان الحيل. المصدر: الخليج الاماراتية 13/5/2015م