لم يكن مفاجئاً أن يعلن نائب رئيس الجبهة الثورية مني أركو مناوي نيتهم مناقشة تقرير المصير لإقليم دارفور في اجتماعاتهم، فمنذ أن اشتعلت الحرب في هذه المنطقة كان من المتوقع إن تطالب هذه الحركات المسلحة بهذا المطلب، فهو سيناريو وضعه المخططون لتقطيع السودان إلى دويلات صغيرة،بدأ بالجنوب ويحاولون الآن تنفيذه إلى آخر الأشواط.. ولكن فيما يبدو أن ذاك السيناريو سيتوقف عند الجنوب فقط، ولن يستطيع المخططون إن يكملوا ما بداوه، لأسباب عديدة أولها أن الحكام السودانيين لن يلدغوا من الجحر مرتين، فانفصال الجنوب تم بخدعة لم ينتبه لها المفاوضون آنذاك، ولم يدركوا خطورة توقيع اتفاقية نيفاشا التي كانت بمثابة (طعم سام) ظلت تبعاته تتداعي حتى الآن.. لذا لن تستطيع الحركات المسلحة الوصول إلى مبتغاها المندفع بمخطط غربي صهيوني مكشوف، فما تجرعه المفاوضون مع الحركات الشعبية في شأن الجنوب على حين غفلة، سينتبه له المفاوضون مع الجبهة الثورية (تماماً)، فهو كر خاسر تحاول أن تلعب به الحركات المسلحة في مفاوضاتها القادمة.. سبب آخر لفشل تحقيق هدف فصل دارفور، أن طبيعية دارفور تختلف تماماً عن الجنوب، من ناحية تكوين سكان المنطقة الثقافي والديني واللغوي، فهؤلاء السكان متداخلين مع الأقاليم المجاورة لهم، سواء في القضارف أو الجزيرة أو النيل الأبيض وكثيرون منهم من استقر بالولايات الشمالية، وحدث تزاوج وتصاهر مع سكان المناطق الأخرى، والكثيرون منهم استقر به المقام في تلك المناطق، فمن الصعوبة بمكان إرجاعهم إلى مناطقهم حال حدث انفصال لدارفور.. سبب آخر، إن الصراع الآن بدارفور تحول إلى قبلي حينما ضعفت الحركات المسلحة ووهنت قواها، خاصة وانها تلقت ضربات موجعة في المعارك الأخيرة التي قامت بها قوات الدعم السريع، آخرها الهزائم التي منيت بها قوات العدل والمساواة، وفقدت خلالها العديد من قواتها وأسلحتها وعتادها، وانتهت بخلافات ضارية بين قادتها كادت تطيح بقائدها جبريل إبراهيم.. ومن قبل وجدت قوات حركة عبد الواحد محمد نور ذات الضربات القاضية، وتشتت تلك القوات حينما انتصرت عليها قوات الدعم السريع وجرعتها هزائم متلاحقة في عقر دارها، أما حركة مناوي الذي أدلي بصريح مطالبتهم بتقرير المصير، فلا وجود لها على الميدان، فهي من أول الحركات التي تشرذمت وتفرقت وظلت تقاتل بعضها كالهرة التي تأكل بنيها، ومناوي نفسه واجه الطرد من دولة الجنوب مرات حينما استقر به الحال هناك بعد أن فقد معاقله في دارفور.. أيضاً فان قطاع الشمال هو الآخر تلقي هزائم متكررة بجنوب كردفان وهو الداعم لتلك الحركات المسلحة، ويذكر الجميع حينما احتد الوغى بتلك المناطق وتوالت انتصارات قوات الدعم السريع كيف أن ياسر عرمان ذهب إلى واشنطن يستجدي الدعم ويطلب منهم أن يتوسطوا لهم لإيقاف تقدم القوات المسلحة حينما دكت معاقلهم، فلن يستطيعوا ان يساندوا حلفاءهم بدارفور. فلم تعد هذه الحركات قادرة على إدارة معارك من جديد، وقد فقدت السند من داخل قواتها، ومن أهل دارفور الذين اكتشفوا كذبهم وعدم صدقهم تجاه قضايا المنطقة، وانهم فقط يلعبون لصالح ورقهم وذاتيتهم ومصلحتهم الشخصية.. فالوضع في دارفور الآن هو نزاع قبلي فقط، لم يعد لتلك الحركات مكان فيها، لذا من الصعوبة إن تتفق هذه القبائل وهي أصلاً مختلفة فيما بينها، وتتحد ليكون لها صوت واحد تطالب به تقرير المصير، وهي لم تعد تثق في تلك الحركات المسلحة لتسلم لها أمرها، لتقرر في مصير أهل دارفور ليكون إقليماً منفصلاً.. لهذه الأسباب مجتمعة لن ينجح مخطط فصل إقليم دارفور كما حدث للجنوب، فهذه الحركات المسلحة حينما تشعر بضعف مواقفها، تحاول أن تزج ببعض المطالب لتوقى مواقفها التفاوضية كتكتيك معروف ومكشوف لدي المفاوضين، لذا لن يستجيبوا لهم بل سيستبعدوا هذه المطالب ولن يسمحوا حتى بطرحها كأجندة للتفاوض .. فما حدث بالجوب لن يتكرر مطلقاً، سواء من جانب الحكومة والتي خدعت وأخذت على حين غرة، أو من أهل دارفور الذين لن يقبلوا بهذا الطرح وهم يرون الفشل الذي مني به أهل الجنوب حينما قبلوا بتقرير المصير وفصل منطقتهم والآن يكابدون شقاء العيش وويلات الحرب. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 2015/6/1م