الولايات المتحدة تؤيد انفصال جنوب السودان بل تدفع به وتتحمس له، هذه قناعة بعض المراقبين.. يقولون أيضا إن واشنطن تخشى من قيام دولة في الجنوب بدون أدنى مقومات وأن التعدد القبلي برميل بارود يمكن أن ينفجر حال حدوث الانفصال.. كثير من التعقيد والتقاطع السياسي يحيط بالقضايا التي تمور بها المنطقة.. دول حوض النيل تفتح باب تقاسم مياه النيل على مصراعيه ومصر تقول إن إسرائيل أعلنت الحرب عليها من خلال الضغط على جيرانها من دول الحوض، ودفعها لزيادة مطالبها تجاه مصر حول إعادة توزيع مياه النيل.. مصر ومنذ عهد الخديوي تحدّث خطة عسكرية كل سنة هدفها التدخل إذا ما أضيرت مصالحها في مياه النيل، فالأمر عندها جدّ خطير والمساس بهذه المصالح يعقبه شر مستطير.. الإعلام المصري يطلق اليوم الصيحات عالية بأن شركات إسرائيلية وافقت على تمويل خمسة سدود النيل في تنزانيا ورواندا، وأنه يجرى تشييد هذه السدود دون موافقة مصر، مما سيؤثر على تدفق مياه النيل على حساب مصر.. إذا مصر رسميا وشعبيا لا يروق لها أن الأمر مجرد خلافات فنية وقانونية بين دول الحوض فهو أكثر من ذلك بل هو سياسة حتى النخاع.. ربما هناك قناعة مصرية كذلك بأن الدعم الأمريكي لانفصال جنوب السودان وراءه إسرائيل التي تدفع أمريكا عبر ال(ايباك) واللوبي الصهيوني.. على فكرة ممثل الحركة الشعبية في واشنطن يحضر بشكل منتظم اجتماعات ال(ايباك).. في المحصلة المطلوب إجبار مصر على مزيد من التنازلات لتصفية القضية الفلسطينية من خلال قيام مصر بدور في القضاء على (دولة) غزة وإنهاء وجود حماس آخر حصون المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة. لاشك أن من أهداف (إسرائيل) المهمة في القارة الإفريقية إضعاف علاقات الدول الإفريقية بالعالم العربي، ويأتي في هذا الإطار فصل جنوب السودان عن شماله الذي يعتبر منطقة عربية.. إستراتيجية (إسرائيل) الإحاطة بالدول العربية وخنقها عبر طوق إفريقي موال لها.. (إسرائيل) بالطبع تحتقر الأفارقة ويزعم كهنتها في التوراة المحرف أن سواد البشرة إنما أصله لعنة نوح لابنه حام؛ ومن ثم حفدته، وهو الزعم الذي تقوم عليه، أسس نهج التفرقة العنصرية والتمييز اللوني الذي تعتمده وتقره. قلق مصر وانزعاجها وهو أمر مبرر لا ينبغي أن يمنعها من التعامل بنظرة إستراتيجية مع الحركة الشعبية ومآلات الانفصال لا سمح الله.. ربما تميل مصر إلى تصديق قيادات الحركة عندما تصرح بأنها وحدوية شرط أن يكون السودان دولة علمانية؟!.. كلا ففكرة الانفصال جزء لا يتجزأ من خطة (إسرائيل) الجهنمية في تلك المنطقة الإستراتيجية والحركة لا تقوى على تجنب الوقوع في فخ تلك الخطة.. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 5/5/2010م