يسعى عدد من الزعماء الأفارقة هذه الأيام إلى فرض شروط أكثر صرامة على الشركات الأجنبية التي يتم التعاقد معها من أجل استخراج المعادن في بلدانهم، وذلك بعد 25 عاماً من الإصلاحات الهيكلية التي قامت بموجبها عدد من البلدان الأفريقية بالحد من الإجراءات البيروقراطية وتقديم تحفيزات ضريبية مهمة لشركات التنقيب الأجنبية. هذه الدينامية الجديدة كانت واضحة خلال مؤتمر حول المعادن احتضنته السنغال خلال الآونة الأخيرة. مؤتمر كان المدير التنفيذي لإحدى الشركات متعددة الجنسيات المتخصصة في استغلال المعادن بأفريقيا يلقي كلمته فيه، ولكن الرئيس السنغالي بدا أنه لم يكن في الاستماع. وفي الجهة المقابلة للرئيس "عبدالله واد" جلس نحو 500 مندوب يمثلون عدداً من الشركات الأجنبية المتخصصة في استخراج المعادن. وكانوا قد قدموا إلى السنغال في شهر مارس ليروا ما إن كانت ثمة أي مناجم جديدة تستحق أن تستغل في هذه القارة التي يزداد الطلب على ثرواتها من قبل اقتصاديات صاعدة بقوة مثل الاقتصاد الصيني. وعندما فرغ المدير التنفيذي من كلمته، قال الرئيس "واد" مخاطباً الحضور: لم يسبق لي أن قلت أبداً: اغتنوا؛ بل قلت: لنغتنِ". وفي هذا السياق تقول "بوني كامبل"، أستاذة العلوم السياسية بجامعة كيبيك في مونتريال ومؤلفة كتاب "استخراج المعادن في أفريقيا": أعتقد أننا نوجد في مفترق طرق ... فمنذ حوالي ربع قرن تم سلك طريق صديق للاستثمارات. أما اليوم، فثمة اعتراف بأن ثمة حاجة إلى تركيز جديد". ذروة هذه الجهود، بالنسبة للرئيس "واد" على الأقل، تكمن في إنشاء تحالف دولي يضم الدول الأفريقية الغنية بالمعادن، وذلك على نموذج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك": هيئة أفريقية تستطيع التأثير في أسعار المعادن مثل "الكوبالت"، الذي يُستعمل على الخصوص في صنع الحواسيب المحمولة والبطاريات المصنوعة في الصين، والذي يأتي حوالي 90 في المئة منه من أفريقيا، حسب منظمة "سويد-ووتش" السويدية. وفي تعليقه على هذه الفكرة، يقول "مازو يوسف فودي"، المدير الجيولوجي بوزارة المعادن في النيجر: "إنها فكرة طموحة وقابلة للتطبيق"، مضيفاً "الحقيقة هي أن اقتصادنا آخذ في السقوط؛ وباعتبارنا بلداً منتجا لليورانيوم، سيكون من الجيد أن ننخرط في اتحاد للمنتجين يستطيع تحديد السعر". والجدير بالذكر هنا أن تقديرات شركة "راندجولد ريسورسز" المتخصصة في استخراج الذهب، تشير إلى أن القارة الأفريقية تنتج اليوم نحو 30 في المئة من المعادن التي تحتاجها كل من الولاياتالمتحدة والصين. وفي هذا الإطار، يقول "روجر ديكسون"، رئيس مؤسسة الاستشارات المعدنية "إس. آر. كي" في جنوب أفريقيا: "إن أفريقيا ستصبح لاعباً مهماً جداً في سوق السلع والمعادن"، مشيراً في هذا الصدد إلى معدل النمو الذي حققته الصين في ناتجها الداخلي الخام (11.9 في المئة)، والذي يشمل مجموع السلع والخدمات المنتَجة خلال الربع الأول من العام الحالي، ومضيفاً: "وبالنظر إلى هذا النوع من الطلب، فإنني أعتقد أنها فرصة جيدة جداً أمام أفريقيا كي تنتقل إلى الواجهة". غير أن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو: كيف يمكن ذلك؟ بالنسبة لعدد من المفاوضين الأفارقة، فإن اغتنام الفرصة قد يعني مطالبة الشركات بتوظيف عدد أكبر من العمال والكوادر المحليين، أو التقيد والالتزام بقوانين وقواعد بيئية أكثر صرامة، أو بناء مزيد من الطرق والمدارس لفائدة السكان المحليين. والواقع أن هذه كلها تسويات تجد شركات استغلال المعادن الدولية أنها معقولة ومنطقية، كما يقول "ديكسون" من مؤسسة "إس. آر. كي". أما إنشاء منظمة تضم بلدانا أفريقية غنية بالمعادن على غرار "أوبك"، فتلك "فكرة جنونية"، على حد تعبير "فيليب كروسون" الأستاذ الشرفي في مركز القانون والسياسة المعدنيين في سكوتلندا. والذي يضيف: "لقد كان ثمة عدد من المحاولات في الماضي والتي اتجهت نحو القيام بشيء من هذا القبيل بخصوص الفوسفات وخام الحديد والبوكسايت والنحاس، ولكن لا شيء من ذلك نجح"، وذلك لأن الكثير من الدول اختارت الانسحاب. ويستطرد قائلًا: "إن شركات المناجم ليست مضطرة للاستثمار؛ وبالتالي، فإذا لم تكن الشروط جذابة ومغرية، فإنها لا تستثمر". غير أن الأستاذة "كامبل" ترى أن على الأفارقة أن يتحدوا هذه الشركات إذ تقول: "إن الفكرة التي مفادها أن الشركات العالمية ستذهب إلى أماكن أخرى، سبق أن سمعناها من قبل ونحن نسمعها دائما"، مضيفة "يجب أن نكون حذرين بخصوص هذا النوع من الخطاب الذي يقول إذا قمت بتحريك أصبعك، فإن الاستثمارات سترحل". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" المصدر: الاتحاد 9/5/2010