«هارولد كوه» هو العميد السابق لكلية القانون بجامعة يال وخبير في قانون حقوق الإنسان. ولكن خلال عمله كمحام لدى وزارة الخارجية الأمريكية من 2009 إلى 2013، وفر لإدارة أوباما أساساً قانونياً للاغتيالات التي تنفذ بواسطة الطائرات المسيرة (بلا طيار). ومع أنه كان قد كتب أطروحات أكاديمية أيد فيها ربط قانون سلطات الحرب (الأمريكي) بقيود وشروط، إلا أنه وفر لإدارة أوباما أسساً قانونية تعطيها الحق في شن حرب على ليبيا من دون أن تبالي بالحصول على موافقة الكونغرس. وكوه، الذي عاد الآن لتدريس قانون حقوق الإنسان، ليس المدافع الوحيد عن حقوق الإنسان الذي يدعو إلى استخدام القوة الفتاكة. وفي الواقع، تشهد الولاياتالمتحدة عسكرة حقوق الإنسان منذ أكثر من عقد. ولنأخذ كمثال سامنتا باور، سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة، والمديرة السابقة لمركز كار لسياسات حقوق الإنسان في جامعة هارفارد، والتي أيدت الحرب في ليبيا وسوريا، ودعت إلى الضغط على حلفاء الولاياتالمتحدة لكي يرسلوا قوات إلى أفغانستان عندما قرر أوباما إرسال قوات إضافية لتصعيد الحرب في ذلك البلد. وهناك مثال آخر، هو مايكل بوسنر، مؤسس منظمة «حقوق الإنسان أولاً»، والذي ساعد - أثناء توليه منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان خلال إدارة أوباما الأولى - في دفن تقرير غولدستون، الذي وضعته لجنة غولدستون ( بعثة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق بشأن الهجوم ««الإسرائيلي»» على غزة خلال 2008-2009 ). ومثال ثالث هو جون برندرغاست، الباحث السابق لدى منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان، والمدير السابق (في أواخر التسعينات ) للشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، والذي دعا إلى تدخل عسكري من أجل إسقاط رئيس زيمبابوي روبيرت موغابي. والأمر لا يقتصر على أمريكيين: فالأكاديمي والسياسي السابق الكندي مايكل إيغناتييف أيد بحماس غزو العراق باسم القيم الإنسانية. والمفكر والكاتب الفرنسي برنار- هنري ليفي كان من أكثر المتحمسين لدعوة حلف الأطلسي لشن الحرب على الزعيم الليبي معمر القذافي (وليفي نشط أيضاً في قضايا أخرى غير ليبيا). وهناك أيضاً منظمات لحقوق الإنسان أيدت أو دعت لاستخدام القوة العسكرية. ولنأخذ كمثال منظمة «هيومان رايتس ووتش» (مرصد حقوق الإنسان - مقرها في نيويورك )، التي تعتمد سياسة تقضي بعدم التعليق على مسائل قانون «مسوغات الحرب» (أي ما إذا كان يتعين أم لا شن حرب). ولكن هذه المنظمة أيدت بحماس عام 2011 قرار الأممالمتحدة الذي أجاز استخدام القوة العسكرية في ليبيا. من جهتها، كانت منظمة «العفو الدولية» تؤيد بثبات العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان. وكثيرون من الناشطين في مجال حقوق الإنسان مقتنعون بأن موقفهم هذا يجعل الحرب أقل بشاعة وأكثر إنسانية. والمدافعون عن كوه يرفعون حجة تقول إنه كان يعمل من أجل «ضبط استخدام القوة الفتاكة وجعلها حضارية». ولكن يمكننا المجادلة أيضاً بأن كوه أسبغ شرعية على العنف العسكري. وحسب مسؤول عارف ببواطن الأمور في البيت الأبيض كان مضطلعاً على المداولات بشأن السياسة الواجب اتباعها في عمليات الطائرات المسيرة، ونقل موقفه الصحفي دانيال كلايدمان، فإن «كوه سعى لإقناع الوزيرة هيلاري كلينتون والبيت الأبيض بالسماح له بإلقاء كلمة دفاعاً عن القتل المستهدف (بواسطة الطائرات المسيرة).... ولكن البيت الأبيض وجد مفارقة في جعله الواجهة العلنية غير المتوقعة لبرنامج الطائرات المسيرة الذي كانت ال«سي آي إيه»(وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية) تديره بصورة سرية. وقد تولى كوه حديثاً منصب أستاذ زائر في كلية القانون بجامعة نيويورك، حيث نشرت مجموعة صغيرة من الطلاب رسالة مفتوحة شككوا فيها بأهليته لتدريس حقوق الإنسان. في المقابل، فإن بروفسور القانون في جامعة نيويورك فيليب آلستون - الذي عمل سابقاً مقرراً خاصاً للأمم المتحدة لشؤون القتل خارج نطاق القضاء، والذي شكك آنذاك في شرعية ضربات الطائرات المسيرة الأمريكية - أشاد بكوه باعتباره «خياراً رائعاً» لتدريس حقوق الإنسان. عندما بدأت حركة حقوق الإنسان المعاصرة في السبعينات، لم يكن أحد يتوقع أن تصبح جزءاً من الحركة المناهضة للحرب. وفي الواقع، فإن منظمة «هلسنكي ووتش» - التي أصبحت فيما بعد منظمة «هيومان رايتس ووتش» - كانت قد تأسست بفضل هبة من «مؤسسة فورد» عندما كان يترأسها ماك جورج باندي، أحد المحركين الرئيسيين لحرب فيتنام والذي عمل مستشاراً للأمن القومي للرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون من 1961 إلى 1966. ولكن في الوقت ذاته، لم يكن أحد يتوقع أن تنصاع حركة حقوق الإنسان بمثل هذا الانقياد للنزعة العسكرية في واشنطن. وقد يبدو أمراً طبيعياً أن ينتقد السيناتور (اليميني المتشدد) جون ماكين الرئيس أوباما لأنه لم يجابه روسيا بقوة كافية. ولكن ما لا يبدو طبيعياً هو أن نسمع سوزان نوسل، الرئيسة السابقة للفرع الأمريكي لمنظمة «العفو الدولية» ، وهي تتهجم على أوباما لإصراره على أن «الخيارات العسكرية ليست مطروحة على الطاولة» في التعامل مع الأزمة الأوكرانية. وهناك شخصيات بارزة في عالم حقوق الإنسان، من داخل وخارج الحكومة الأمريكية، كانت أكثر حماساً من كثيرين من القادة العسكريين لحرب مكافحة التمردات واغتيالات الطائرات بلا طيار. ويبدو أن كثيرين من محامي حقوق الإنسان قد أقنعوا أنفسهم بأن الحرب يمكن شنها بدقة جراحية بفضل التقدم الكبير في كلا التكنولوجيا العسكرية والقوانين التي تحكم كيف ينبغي شن الحرب، والمعروفة باسم القانون الإنساني الدولي. ولكن الخسائر البشرية، والفظائع التي ارتكبت خلال حروب وقعت في الآونة الأخيرة تدحض ذلك. وبدلاً من أن يدعو محامو حقوق الإنسان إلى بدائل لا تنطوي على استخدام القوة العسكرية، فإن محامي حقوق الإنسان الأمريكيين يتحدثون عن المقاربة القانونية للعنف الفتاك، وليس عن التعقل والمبادئ الأخلاقية. *محامي الحقوق المدنية في نيويورك والمقال منشور في موقع «لندن ريفيو أوف بوكس» المصدر: الخليج الاماراتية 26/7/2015م