يبدو أن الناظر الى مقاعد النواب في المجلس الوطني المنتخب عند جلسته الافتتاحية في الرابع والعشرين من مايو الجاري سيجد عناءً في العثور على اعضاء خارج حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بعد اكتساح الأول للانتخابات واحلال الثانية في البرلمان وفق اتفاق سياسي مع الوطني منحت بموجبه أربعين مقعداً بمجانية بعيداً عن المستحقات السياسية في ساحة التنافس الحر. وكان المجلس المعين الذي انتهت ولايته قبيل الانتخابات بقليل لاقى نقداً من بعض القوى السياسية والعديد من المراقبين حيث كان منحازاً بحكم أغلبية اعضائه من الحزب الحاكم ومرر العديد من القوانين بالاغلبية المكانيكية أو بالتوافق مع الشريك الاساس في الحكم (الحركة الشعبية) دون توسيع المشاركة السياسية حولها باعتبارها تمثل بوصلة مهمة في المرحلة الانتقالية ومستقبل الحكم في البلاد، لكن مهما يكن فإن البرلمان السابق بحكم أنه غير منتخب لن يجد مساحة جادة للنقد والتحليل الموضوعي والتاريخي في المستقبل. بيد أن البرلمان المنتخب سيكون بالقطع تحت دائرة الضوء والتشريح السياسي باعتباره يمثل واجهة اساسية لوجه النظام الديمقراطي (المفترض) بعد انتخابات تعددية حرة. لكن ربما برز التساؤل بالحاح حول مدى فاعلية البرلمان الجديد واتساقه مع المرحلة الجديدة كبرلمان منتخب، خاصة بعد اختلال الحزب الحاكم للاغلبية شبه المطلقة بداخله ودخول احزاب متوالية مع الحكومة. في هذا الاطار سارع رئس البرلمان السابق احمد ابراهيم الطاهر في تصريحات صحافية لتأكيد أن البرلمان القادم لن يكون ضعيفاً بحكم اغلبية اعضائه من المؤتمر الوطني، وهو ما ذهب اليه الاستاذ عباس الخضر العضو البرلماني السابق والمنتخب الآن معتبراً أن أغلبية المؤتمر الوطني المجلس ستمكنه من الوفاء بما التزم به اما جماهيره تجاه مستحقات الخدمات والتنمية والتشريع مؤكداً أن المجلس سيكون حرباً على الفساد وسيعمل على محاسبة الجهاز التنفيذي ومعالجة أي خلل في داخله، بيد أن د. ابراهيم ميرغني استاذ العلوم السياسية في جامعة الزعيم الازهري لا يرى ان المجلس الجديد سيختلف عن سابقه لأنه يفتقد المعارضة في داخله، وبالتالي من المتوقع أن تغيب الممارسة الديمقراطية في مداولاته وأن اعضاءه لا يملكون قاعدة شعبية يرتكزون عليها، ولهذا فهم سيسبحون بحمد المؤتمر الوطني ويبصمون على كل ما يريده، بحسب قوله. وأضاف أنه لا يتوقع أن تقوم الاحزاب الموجودة في المجلس بالقيام بدورها الرقابي المؤثر باعتبار أن المؤتمر الوطني هو الذي أتى بها الى البرلمان، غير أن د. علي عيسى المحللل السياسي ونائب مدير مركز السودان للدراسات والبحوث الاستراتيجية اشار الى أن المجلس الوطني الجديد الذي جاء منتخباً بعد ربع قرن من آخر برلمان منتخب سيكون أكثر فاعلية لأن اعضاءه رغم انتمائهم للمؤتمر الوطني يستمدون شرعيتهم من قواعدهم التي أتت بهم الى المجلس وهو ما سيجعلهم يدافعون بقوة عن مصالح هذه القواعد وبالتالي سيغدون أكثر تحرراً من الانتماء الضيق للحزب عكس الاعضاء المعينين، ويرى أن التحديات التي تواجه البلاد ستفرض على الاعضاء ممارسة دورهة بقدر من الحيوية والمسؤولية بالاضافة الى ان اللغط الذي صاحب تكوين المجلس حول اغلبيته من المؤتمر الوطني سيشطع الاعضاء ان يثبتوا وجودهم داخل المجلس للعب دورهم المنوط بهم، لكن اذا كان د. ميرغني يرى ان المجلس الجديد سيكون منحازاً الى المؤتمر الوطني وأنه سيغدو اداة لتمرير القوانين التي كما وصفها ستعود بالنظام الى الشمولية فإن الاستاذ عباس الخضر يؤكد استحالة استغلال المؤتمر الوطني لاغلبيته البرلمانية بتمرير تشريعات غير مجمع عليها، واستنكر التقليل من دور الاحزاب الاخرى في البرلمان والتيارات المستقلة بالرغم من محدودية اعدادها، وقال : اننا نرفض المعارضة من اجل المعارضة ونحترم المعاضرة المسؤولة التي تتواءم مع الثوابت والمرجعيات، مؤكداً ثقته بالنواب وتفاؤله بأن مداولاتهم ستكون اكثر امانة وشفافية في الطرح، واذا كان الاستاذ عباس الخضر بدأ متفائلاً بأن تقوم التيارات الاخرى داخل المجلس بدورها الرقابي فإن د. علي عيسى يرى ان تكوين لجان داخل المجلس حتى تكون بمثابة تيار في داخله ربما شكل نوعاً من المعارضة الفاعلة وقد يعطي مداولات المجلس حيوية اكثر. اخيراً هل نشهد برلماناً يعج بالحيوية والقوة تجاه الجهاز السياسي والتنفيذي أم أن اغلبية المؤتمر الوطني ستجعل البرلمان استنساخاً لتجارب سابقة في عهود القبض السلطوي؟ الاجابة ستبين ملامحها ربما مباشرة بعد الجلسة الافتتاحية في الرابع والعشرين من هذا الشهر. نقلاً عن صحيفة الإنتباهة السودانية 10/5/2010م