وردت اشارات في بعض الصحف ووسائل عن صدور تقرير جديد لمركز كارتر حول الانتخابات التي جرت مؤخراً في السودان وشارك مركز كارتر في مراقبتها. وبحسب ما توفر من تفاصيل التقرير فان التقرير أشار الى أن العملية برمتها اتسمت بالفوضي وأن الفرز شابته تلاعبات وافتقار للثقافة وعرج التقرير الى جنوب السودان حيث أبدا قلقاً كبيراً على عمليات العنف والتخويف التي شهدتها بعض ولايات الجنوب مثل شمال بحر الغزال، والوحدة، وغرب الاستوائية. وخلص التقرير الى مطالبة مفوضية الانتخابات العامة بمراجعة النتائج!! ومن الواضح أن تقرير كارتر لكل من تابع تصريحاته ورؤاه هنا في الخرطوم ثم في مقاله المطول بصحيفة لوس انجلوس لم يأت بجديد الهم الا مطالبته للمفوضية بمراجعة نتائج الانتخابات، وربما فات على الرجل – وهو غير ملم بقوانين البلاد جيداً – أن مراجعة النتائج أو الطعن فيها أمر موكول للقضاء ولا يحق للمفوضية بعد إعلان النتائج اعادة النظر فيها من تلقاء نفسها من جديد او حتى اذا طلب منها ذلك لأن ذلك – ببساطة شديدة – يفتح الباب واسعاً للتشكيك في كل شيء، ومن ثم هدم القضية بكاملها بدون مسوغ. ويمكن القول أن مركز كارتر تعامل بقدر غير قليل من التعميم، بمعني ان الحديث عن فوضي في عمليات الفرز وعدم الشفافية، هي عبارات معممة ومهمة وكان من الاوفق والادق ايراد امثلة او نماذج محددة حتى يمكن تدعيم مصداقية التقرير، فالعملية لم تكن كاملة ولا كانت في مجملها منزهة عن عيب هنا، أو خطأ هناك، فقد أقرت مفوضية الانتخابات العامة نفسها بوقوع اخطاء، وحدوث خروقات وبعض هذه الخروقات هي الآن قيد التحقيق ومن المنتظر البت فيها قضائياً، وهناك طعون (بالمئات) قدمت امام الدائرة القضائية المختصة بالمحكمة العليا في الخرطوم وفصلت فيها وقرر رئيس القضاء السوداني انشاء محكمة اخرى في ذات المنحي لنظر الطعون. وهكذا فان أحداً لم يقل أن العملية الانتخابية برمتها كانت نظيفة ومبرأة من كل عيب ولهذا فان ما اورده مركز كارتر هو في الواقع لا يعدو كونه (التقرير النهائي) للمركز اذ من المعروف أن المركز لا يصدر تقريره النهائي مباشرة عقب انتهاء العملية، وانما يتم ايراد خطوط عامة وعريضة لرأي المركز ويتم لاحقاً تجميع هذه الخطوط العامة لتصبح هي التقرير النهائي. ولعل أسطع دليل ندلل به على أن مركز كارتر لم يمس جوهر العملية الانتخابية بحيث تصبح في نظره (مخالفة تماماً للمعايير الديمقراطية) هو أنه أقر بنفسه أن المجتمع الدولي سيقبل هذه النتيجة، فلوكان هنالك من مطعن خطير، او تجاوزات هائلة لما تجرأ كارتر بالتصريح عن قبول المجتمع الدولي لنتائجها ويبقي اخيراً الوقوف عند إشارة التقرير إلى (العنف وعمليات التخويف) في جنوب السودان (بإيراد نماذج من ولايات معينة)، فهذه في الواقع نقطة مهمة وتكمن أهميتها في مراعاة ذلك والجنوب مقبل الآن وبعد أشهر قلائل على استفتاء، فإذا مارست الحركة الشعبية ذات ما مارسته في الانتخابات العامة فان النتيجة سوف تصبح وبالاً ليس على الجنوب وحده وإنما على السودان بأسره.