لم تولي المفوضية العامة للانتخابات السودانية كثير اهتمام لما ورد في تقرير مركز كارتر مؤخراً حول ما وصفه التقرير بفوضى شابت عمليات الفرز، وغياب للشفافية، وخلص التقرير الى مطالبة المفوضية بمراجعة نتيجة الانتخابات! والواقع فإن تقرير مركز كارتر لم يأت بجديد، فقد سبق وأن قال كارتر نفسه ذات ما قاله في تقريره حين كان في الخرطوم من حيث نقده لأداء المفوضية وعدم كفاءتها ووقوع أخطاء فنية ولوجستية وخروقات، ويومها لم تنف المفوضية ما قاله مركز كاتر، بل ان عمليات التزوير التي ادعى بها البعض كما هو الحال بشأن ما جرى في البحر الاحمر هي الآن قيد التحقيق القضائي ومن المنتظر أن يفصل فيها القضاء. وحديث التقرير عن الفوضى في الفرز وعدم الشفافية لم يقل به أحد سواه، ولكن حتى هذه فإن الأمر متاح لكل متضرر للجوء الى دوائر خاصة كونها رئيس القضاء السوداني بالمحكمة القومية العليا في الخرطوم والتي تفصل يومياً في عشرات الطعون والدعاوي المتعلقة بعملية الانتخابات ويبدو أن كارتر يجهل طبيعة القوانين السودانية ا لمنظمة للعملية الانتخابية لأن المفوضية لا يحق لها مراجعة النتيجة بعد صدورها واقرارها، والمختص الوحيد بذلك هي السلطة القضائية والتي تنظر في الأدلة والبينات المتوفرة ومن ثم تقرر في الموضوع،غير أن أهم ما لفت النظر في تقرير كارتر أنه اتخذ طابع التعميم وكان من المهم ايراد أمثلة واضحة وموثقة لحالات عدم الشفافية التي ذكرها والتي شابت عمليات الفرز ومدى تأثيرها على مجمل العملية وعلى النتيجة نفسها، كما يلفت النظر هنا أن التقرير تحدث باستفاضة عن حالات عنف وتخويف جرت في ولايات جنوبية مثل ولاية الوحدة والاستوائية. ولعل ايراد هذه الامثلة من ما حدث في الجنوب مهم الآن لجهة الاستفادة منه والجنوب مقبل على عملية استفتاء هي اخطر اضعاف المرات من الانتخابات، فعلى ضوء نتيجة الاستفتاء يتقرر (وإلى الأبد) مصير بلد بأكمله، وربما يمتد أثر تقرير المصير الى المحيط الاقليمي ودول الجوار بل قد يمتد لاوسع من ذلك ليلامس السلم والأمن الدوليين خاصة وأن الجنوب السوداني الآن يعيش صراعات دموية مأساوية عقب تمرد أحد كبار جنرالات الجيش الشعبي وهو الجنرال جورج اطور ودخوله في مواجهات دامية واسعة النطاق مع الجيش الشعبي الذي كان يترأس في يوم ما هيئة أركانه! ان تقرير كارتر على أية حال ليس هو الشهادة الوحيدة الحصرية لقياس درجة نجاح الانتخابات السودانية، فالرجل نفسه سبق وأن قال ان المجتمع الدولي سيقبل نتيجة الانتخابات ومن المعروف أن هذا القبول ليس منحة أو منة من المجتمع الدولي بأي حال من الأحوال بقدر ما هو ادراك بأن العملية الانتخابية السودانية لم تخل من تعقيدات وان ظروف السودان الحالية تقتضي النظر اليها بمنظار موضوعي متجرد.