دخلت أزمة حوض نهر النيل بين دول المصب (مصر والسودان) ودول المنبع يوم الجمعة الماضي إلى منعطف خطير بعد توقيع أربع دول، وهي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، على اتفاق إطاري في عنتيبي بشأن تقاسم مياه النيل، حيث بدأت دول المنبع في تنفيذ تهديداتها .ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل افتتحت إثيوبيا، التي ترفع لواء التمرد والتحريض على دول المصب بإيعاز “إسرائيلي"، في اليوم التالي لذلك الاتفاق سدا لتوليد الكهرباء على النيل، وذلك عقب أشهر من افتتاحها أعلى سد في إفريقيا على المنابع . وفي مقابل ذلك الوضع الذي خرج عن مسار التهديدات وبدأ بسياسة الأمر الواقع مازالت مصر تؤكد الالتزام باتفاقيات الحقوق المائية الموقعة في السابق التي حدث خلالها الكثير من الأمور التي أدت إلى ما وصل عليه الوضع الآن . المسؤولون في مصر يتحدثون عن الحق التاريخي والاتفاقيات ونسوا أن مياه النيل تمثل بالنسبة لمصر حقاً وجودياً لا تنشئه الاتفاقيات الدولية، حيث إن مصر هي الدولة الوحيدة ضمن حوض النيل التي تعتمد اعتماداً كاملاً على مياه النهر، ومن دونها تصبح صحراء قاحلة، على عكس الدول الأخرى التي لديها مواسم أمطار ومصادر مياه أخرى . والغريب في الأمر أنه بعد 10 سنوات من بدء الأزمة نسمع هذه الأيام عن نقل هذا الملف من الخارجية المصرية إلى مؤسسة الرئاسة، ما يجعلنا نتساءل عما كان يحدث على مدى العقد الماضي حين شرعت بعض دول المنبع في بناء السدود خلال تلك الفترة . والمثير أيضاً في هذا الملف أن الدول المانحة لمشاريع السدود تضم دولاً عربية، ليأتي ذلك متزامناً مع زيارة 400 خبير “إسرائيلي" لإثيوبيا خلال الفترة القليلة الماضية للبحث بشأن بناء المزيد من السدود، ومواصلة البنك الدولي ممارسة دور مشبوه في الأزمة بتمويله لمشروعات السدود في دول المنبع وحثها على بيع مياهها . ويكفي أن نشير إلى أن الكونغو وحدها، التي لديها أضعف معدلات استهلاك للكهرباء في العالم، لديها أيضاً نهر الكونغو الذي يمتلك طاقة كبيرة لتوليد كهرباء تفي باحتياجات القارة الإفريقية كلها، فيما يتم إهدار مياهه العذبة التي تفوق نهر النيل بأضعاف مضاعفه داخل المحيط الأطلسي لمسافة 500 كيلومتر . وهذا النهر الذي يشكل ثاني أطول نهر في إفريقيا بعد نهر النيل، وأولها من حيث مساحة الحوض، وثاني أكثر الأنهار تدفقاً وغزارة في العالم بعد نهر الأمازون، يضع إهماله وإهدار مائه الكثير من علامات الاستفهام بالمقارنة مع افتعال الأزمات من جانب إثيوبيا وأخواتها ومنها الكونغو في حوض النيل، وإن تخلفت الأخيرة عن اتفاقية عنتيبي . يمكن القول إن أساس الأزمة ليس احتياج دول المنبع للمياه لارتباط وجودها عليها كمصر، وإنما لاستثمارها وبيعها، حيث ستكون “إسرائيل" أول المشترين للمياه بسعر يقل كثيراً عن الغاز المصري، لتقطف ثمار جهودها في هذا المجال ولتكون هذه الدول البديل الأمثل لمياه تركيا التي بدأت سياستها في الابتعاد عن الصهاينة، فيما لم نلمح حتى الآن أي ضغط مصري لقطع رأس الأفعى التي تطل بوضوح برأسها في هذا الملف ويراها الجميع المتضرر الأكبر، ولا ندرى إلى متى الانتظار؟ المصدر: الخليج 18/5/2010