بعد تفجيرات فرنسا الدموية يواجه الأفارقة فى أوروبا ودول الغرب الأخرى وأولئك الذين يتحينون الفرصة للتسلل إليها أياماً صعبة حيث بدأت حملات المداهمة والتفتيش والتعقب للمقيمين ويجرى اتخاذ إجراءات صارمة للتصدى للمتسللين واشتدت دعوات قادة وصحف اليمين المتطرف مطالبين بطرد المقيمين أو سلبهم حقوقاً اكتسبوها ومنع دخول أى مهاجر غير شرعى وزاد الوضع سوءا الهجوم الٌارهابى الدموى الذى نفذته جماعة المرابطون الموالية لتنظيم داعش الٌٌارهابى على فندق تمتلكه شركة أمريكية فى باماكو عاصمة مالى التى ترابط بها قوات فرنسية مما استنفر الجميع ضدهم أكثر. فإلى جانب توسيع دائرة الاشتباه والقيود المتوقع فرضها على الأفارقة المقيمين بصفة غير شرعية خاصةً فى فرنسا وسجن أو ترحيل كل من يثبت تورطه فى عمل إرهابى ستفرض الدول الأوروبية،وهى الأكثر تضرراً من الهجرة غير الشرعية للأفارقة،إجراءات أكثر صرامةً للحد من تدفقهم عبر البحر المتوسط- إن لم تستطع قطع دابرهم- وستعمل بهمة على تنفيذ بنود اتفاقها الأخير مع الدول الإفريقية فى قمة مالطا لاجتثاث المشكلة من جذورها. فقد رصدت 1٫9 مليار دولار لتمويل خطة تتضمن إجراءات محددة يتعين تنفيذها قبل نهاية عام 2016 من بينها زيادة عدد التأشيرات للطلبة والباحثين الأفارقة وبرامج اقتصادية لتوفير وظائف للعاطلين ودعم الصحة والتعليم والعمل على منع نشوب النزاعات وتشكيل فريق أوروبى إفريقى مشترك مقرُّه النيجر لمعالجة مشكلة تهريب البشر ورفع كفاءة إدارة الهجرة وقدرتها على احتواء الظاهرة ومنعها. ونظراً لأن تنفيذ تلك الخطة صعب جداً من الناحية العملية لأسباب عديدة فمن المرجح أن تركز الحكومات الأوروبية على جعل الإجراءات الأمنية والقيود أكثر صرامةً بالتعاون مع الحكومات الإفريقية المعنية لمنع مغادرة المتسللين وردع مَن نجح منهم فى الوصول إلى الشاطئ الأوروبى حياً.فالمبلغ المرصود أقل كثيراً من المطلوب لتحفيز اقتصادات 23 دولة إفريقية مستهدفة لتوفير فرص عمل لملايين العاطلين الذين تدفعهم البطالة مع أسباب أخرى لترك بلادهم.كما أنه لا يكفى لإزالة أسباب نزاع واحد من التى ابتُليت بها دول إفريقية متعددة وأدت إلى نزوح الملايين فى الداخل ولجوء مئات الآلاف إلى دول الجوار ودفع الآلاف من الشباب لركوب قوارب الموت نحو أوروبا. يُضاف إلى ذلك النهب المتوقع لجزء معتبر من المبلغ بأيدى مسئولين فاسدين فى الدول التى ستُنفَّذ فيها مشروعات لدعم التعليم والصحة وتوفير فرص عمل ومنع نشوب نزاعات. وإذا أخذنا فى الاعتبار أن جزءاً آخر سيتم اقتطاعه كأجور خبراء واستشاريين من الدول الأوروبية لن يتبقى الكثير لمشروعات التنمية. إذا كانت الأوضاع التى تدفع الأفارقة للهجرة غير الشرعية لم تتحسن فى دولهم بالقدر الذى يغريهم بالبقاء رغم المساعدات التنموية الأوروبية التى تبلغ 20 مليار دولار سنوياً لإفريقيا فكيف تتحسن لمجرد تخصيص 1.9 مليار إضافى لم يتأكد منه سوى 78 مليوناً عند انتهاء القمة؟. لهذا انتقدت بعض جماعات حقوق الإنسان نتائج القمة قائلةً إن أوروبا تجبر الدول الإفريقية على القيام بدور رجل البوليس ضد مواطنيها وتعطيها المال مقابل ترحيل آلاف المهاجرين. كما أعرب قادة أفارقة عن عدم رضائهم عن المبلغ وطالبوا باستثمارات أوروبية أكبر فى بلادهم وبنظام أكثر عدلاً فى التجارة العالمية لمساعدة الأفارقة والحد من الهجرة غير الشرعية لأوروبا حيث أعلنت الأممالمتحدة أن نحو 150 ألف إفريقى هاجروا إليها بصفة غير شرعية من دول مثل إريتريا ونيجيريا والصومال ولقى ثلاثة آلاف منهم مصرعهم. معظم أبناء دول إفريقيا جنوب الصحراء(34 دولة) يعيشون بمتوسط دخل يومى للفرد يعادل 1٫25 دولار فقط فى الوقت الذى كشفت فيه منظمة (نيو وورلد ويلث) المهتمة برصد عدد الأثرياء فى العالم أن عدد المليونيرات الأفارقة زاد فى الأعوام الخمسة عشر الأخيرة بنسبة 145% مقارنةً بمتوسط زيادة عالمى بلغ 73% وأن هذا يرجع أساساً إلى تفشى الفساد فى الطبقات الحاكمة والنافذة فى بلادهم. بينما ذكرت إحصائية حديثة للبنك الدولى أن 69% من الذين يعيشون فى فقر مُدقع يقيمون فى دول غنية بالبترول والغاز والمعادن مثل الكونغو- كينشاسا(88%) وزامبيا(75%) ونيجيريا(68%) وأنجولا(43%). ويؤدى النهب المبرمج لثروات افريقيا من الشركات متعددة الجنسية بالتواطؤ مع الطبقات الحاكمة وتركز الثروة فى أيدى قليلة وغياب مساءلة الحكام الى صراعات على السلطة وحروب وانقلابات. ومن العوامل الدافعة للهجرة غير الشرعية أيضاً تردى مستوى التعليم وعدم توافر فرصته للجميع والنقص الحاد فى الأدوية والأطباء وأطقم التمريض فى بلاد تتفشى فيها أمراض خطيرة مثل الإيدز والملاريا والسل والحمى الصفراء وإيبولا،هذا إذا كانت هناك مستشفيات من الأساس.كما يعيش نحو 75% من الأفارقة بلا كهرباء و50% بلا مياه شرب نقية أو صرف صحى وتتكرر المجاعات فى المناطق الجافة والصحراوية وتشيع انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب والقتل لمعارضى نظم الحكم وتكثر الصراعات الدموية التى أحالت الحياة إلى جحيم.كل ذلك وأكثر يدفع الإفريقى للفرار إلى أى دولة تحقق له الحد الأدنى من المعيشة الكريمة. المصدر: الاهرام 22/11/2015م