لم تحدث الاحتفالية الشعبية الضخمة يوم توقيع اتفاقية تنظيم مياه النيل في عنتيبي عاصمة أوغندا التي كانت تخطط لها بعض دول المنبع، ولم توقع جميع دول المنبع على الاتفاقية التي اقتصر توقيعها على اثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، وأظن أن ذلك يشكل في حد ذاته تطورًا مقبولا يؤكد رغبة دول المنبع في استمرار الحوار مع دولتي المصب، تجاوبًا مع النهج العاقل الذي اتخذته مصر والسودان، الذي أكد أن الحوار وحده هو السبيل الصحيح للوصول الى وفاق يجمع دول المنبع والمصب على اطار اتفاقية عادلة لا تحدث أضرارًا بمصالح أي من أطراف الاتفاق، وأن ادخال أي أطراف من خارج دول الحوض في الوساطة بين دول المنبع ودول المصب أمر مؤجل، الى أن تستنفد دول الحوض فرص الحوار فيما بينها على مستويات متعددة لا تستبعد عقد قمة لدول الحوض أو تواصل المشاورات بين الرؤساء في رحلات متبادلة بهدف توسيع الحوار بين دول الحوض وتعزيز تعاونها لحماية النهر وتنمية موارده وتمكين كل دول الحوض من الاستفادة بمياهه في اطار عادل يرعى احتياجات كل دولة في ضوء تعدد مصادرها المائية ومدى اعتمادها على مياه النيل وحجم البدائل المتاحة لها. وأظن أن الترجمة الدقيقة لعدم الإضرار بمصالح دول النهر يمكن أن تكون المدخل الصحيح لاستئناف التفاوض بين دول المنبع ودول المصب حفاظًا على علاقات صحية بين دول الحوض، وما من شك في أن من صالح دول الحوض أن تحافظ على الحد الأدنى من وحدتها في تعاملها مع الدول المانحة، لأن وحدة دول الحوض تشكل أساس التفاوض الناجح بين الجانبين اذا توافق الجميع على خريطة جديدة للمشروعات النيلية التي تفيد الجميع وتعزز المصالح المشتركة لدول الحوض ولا تضر مصالح أي من أطرافه. ويحسن أن تدرس مصر جيدًا الآثار التي تترتب على طلب وساطة الدول المانحة التي يمكن أن تعطي لنفسها حق تحديد الحل الوسط، وتحاول أن تتجاوز دورها كوسيط لتلعب دور الحكم. ولأن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد بالكامل على مياه النيل الى حد يجعل القضية بالنسبة لها قضية حياة أو موت، يحسن أن تكون لها رؤيتها الاستراتيجية الخاصة التي تحدد البدائل المتاحة لها، اذا ازدادت الأمور تعقيدًا وتعذر الوصول الى حل توافقي يحفظ مصالح كل الأطراف. المصدر: الوطن القطرية 19/5/2010