أثار رفض الحكومة السودانية لآخر مقترح تقدمت به الآلية الإفريقية التي تقود وساطة الاتحاد الإفريقي لتسوية الأزمة السودانية لعقد اجتماع تحضيري في أديس أبابا منتصف الشهر الجاري، مما أجهض قيامه، تساؤلات حول مستقبل الدور الإفريقي وما إذا كان ذلك سيفتح الباب واسعاً لتدويل القضية السودانية، وكان كبير الوسطاء الأفارقة الرئيس ثابو إمبيكي حذّر في خطاب لأطراف النزاع السوداني من ثمن باهظ يدفعه السودانيون إذا فشل الحوار الوطني جراء استمرار الخلافات بين الفرقاء حول اللقاء "التحضيري" للحوار الوطني، ما ينذر بتبعات خطيرة. فهل بات يتعين على الرئيس إمبيكي أن يعترف أخيراً أنه لم يعد أمامه من مفرغير الإقرار بأن "مهمته المستحيلة" للتوسط بين الفرقاء السودانيين للوصول إلى تسوية تاريخية قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن الإصرار على الاستمرار في وساطته في غياب أي أفق لاختراق محتمل ستضيف المزيد من التعقيدات على الأزمة السودانية. ففي مطلع ديسمبر المنصرم تبادل الرئيس إمبيكي و د. جبريل إبراهيم رئيس الجبهة الثورية رسائل بشأن من يحق لهم المشاركة في الحوار التحضيري المزمع وحسمت فيه الوساطة الإفريقية بوضوح شديد أمر الاجتماع التحضيري للحوار الوطني، الذي تم الاتفاق عليه في 5 سبتمبر 2014 بغرض التفاوض حول قواعد وإجراءات الحوار، بتبني وجهة نظر الحكومة السودانية الداعية إلى عقد لقاءين تحضيريين واحد في أديس أبابا لمجموعة السبعتين المشاركة في الحوار الجاري بالخرطوم حالياً ومجموعة إعلان باريس التي تضم الجبهة الثورية وحزب الأمة، والثاني بالخرطوم مع قوى المعارضة السياسية التي تعمل بالداخل، التي كانت انخرطت في الحوار ثم انسحبت منه. لم يكد يمر أسبوعان على ذلك الخطاب الحاسم بتاريخ الخامس من ديسمبر 2015 حتى عاد إمبيكي بعد أسبوعين فقط للتراجع عن خريطة الطريق التي رسمها للاجتماعين التحضيريين بأديس والخرطوم، ليقول إن الآلية قررت عقد لقاء تحضيري واحد في أديس أبابا، وتجاوز مقترح اجتماع الخرطوم، مبرراً ذلك بأن مقترحه لم يجد القبول من قبل الأطراف المعنية. فما الذي حدث وجعل إمبيكي يخضع لما كان اعتبره من جدل حول مكان الاجتماع التحضيري محض مسألة تكتيكية لا ينبغي لها أن تعرقل تحقيق ما هو استراتيجي بقيام حوار وطني جدي شامل عند شرحه لمنهجية عمل الآلية، ويعود ليؤكد بتراجعه أن مسألة مكان وطريقة عقد اللقاء التحضيري ليست مسألة يمكن غض الطرف عنها وأنها باتت في حكم "الاستراتيجي" على الأقل بالنسبة لقوى المعارضة، كما أن للحكومة حساباتها في معادلة قيامه. لنرى ما هي مقترحات إمبيكي ومبرراته في خطابه الجديد الذي غير فيه من موقفه السابق، لنصل إلى الإجابة على السؤال المطروح حول مستقبل مهمة الآلية، فتحت عنوان "الاجتماع التحضيري للحوار الوطني" قدمت الوساطة مقترحاً جديداً للفرقاء السودانيين في خطاب وجهه الرئيس إمبيكي لثمانية من قادة الحكم والمعارضة في 21 ديسمبر الماضي، دعا فيه لعقد لقاء تحضيري واحد في أديس أبابا منتصف الشهر الجاري، متراجعا عن مقترح سابق، وافق عليه تقدمت به الحكومة ليحل مشكلة التمثيل بعقد لقاءين تحضيريين في أديس أبابا مع مجموعة إعلان باريس، وآخر في الخرطوم مع القوى السياسية المعارضة الموافقة على الحوار التي لا تشارك في العملية الجارية حالياً في قاعة الصداقة. وحسب المقترح الجديد فقد دعت الآلية إلى تمثيل أطراف اللقاء التحضيري بثمانية أعضاء لمجموعة 7+7 في الحوار الجاري بالخرطوم، وأربعة أعضاء يمثلون أطراف مجموعة إعلان باريس التي تضم الجبهة الثورية وحزب الأمة، وأربعة أعضاء يمثلون القوى السياسية الداخلية المعارضة بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين رئيس حركة الإصلاح المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير. ويبدو أن اعتراض الحكومة على مشاركة غازي في "تحضيري" أديس أبابا أحد أهم أسباب رفضها لمقترح إمبيكي الجديد. وقال إمبيكي في خطابه الأخير إن الآلية عادت للتمسك بما ورد في اتفاق 5 سبتمبر 2014 بشأن "التحضيري" بعد رفض الأطراف المعارضة لعرض الحكومة بعقد لقاءين، غير أنه أنحى باللائمة، ضمنياً، على موقف الحكومة المتشدد بشأن تمثيل أطراف أخرى غير مجموعة إعلان باريس، وعلى الخصوص غازي صلاح الدين الذي تتمسك الآلية بمشاركته على خلفية أنه من وقع اتفاق 5 سبتمبر ممثلاً للجنة السبعتين التي كانت تقود الترتيب للحوار حينها، بغض النظر عن حجة الحكومة بأنه لم يعد طرفاً في مجموعة السبعتين. المصدر: الراية القطرية 11/1/2016م