تظل القمة الإفريقية رقم 26 المنعقدة أواخر يناير الماضي واحدة من أهم القمم الإفريقية المحدِدة لمواقف دول القارة الإفريقية تجاه القرارات والمواقف الدولية. ففي غضون يومين من المباحثات والحراك بين قادة القارة بمقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا كسب السودان موقفين على جانب كبير من الأهمية الإستراتيجية. الموقف الاول هو القرار الذي اتخذه الاتحاد الإفريقي بمطالبته مجلس الأمن الدولي -رسمياً- بإلغاء قرار الإحالة إلى المحكمة الجنائية الخاص برئيس جمهورية السودان، الرئيس البشير ونائب الرئيس الكيني. الموقف الثاني وهو القرار الذي اتخذته القمة بعدم التزام دول القارة الإفريقية بقرارات المقاطعة والعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان. ففيما يتعلق بالموقف الاول فإن القمة الإفريقية قررت مخاطبة مجلس الأمن الدولي -بإسم الاتحاد الإفريقي وبصفة رسمية- لإلغاء قراره بإحالة قضيتيّ السودان وكينيا إلى محكمة الجنايات الدولية وفي حالة عدم استجابة مجلس الأمن للطلب، فإن دول القارة –في القمة المقبل– سوف تتخذ قراراً بالانسحاب (الجماعي) الفوري من ميثاق روما 1998 المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية. وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور قال للصحفيين لدى عودة الرئيس البشير والوفد الرسمي من القمة، إن أبرز ما أقرّته هذه القمة المهمة هما هذين القرارين المدعّمين بقرار أشد يدعو إلى وحدة القارة الإفريقية وهذا في الواقع يعني عدة أمور إستراتيجية مهمة: أولاً، إن السودان الذي فرضت عليه عقوبات اقتصادية ظالمة وغير مبنية على حقائق وظلت تلحق ضرراً بشعبه نجح في إيصال هذه الحقيقة إلى قيادة القارة واقتنعت بها دول القارة وفق حقائق الواقع الواضحة فالسودان لم يحصل على هذا الموقف باستعطاف القادة الأفارقة؛ كما أن القادة الأفارقة لم يفعلوا ذلك من واقع (مجاملة سياسية) للسودان! الأمر برمته قائم على حقائق ودراسات ومعلومات تم تقديمها للقادة الأفارقة لمسوا من خلالها فداحة الظلم الواقع على السودان فقرروا مناهضته. ثانياً، قناعة القادة الأفارقة -من واقع حقائق مجردة أيضاً- أن محكمة الجنايات الدولية وطوال أكثر من 13 عاماً ظلت فقط تلاحق القادة الأفارقة ولم تلاحق سواهم قط، دعتها إلى التحرك المدعوم بخطوات عملية. إذ من المستحيل تماماً أن يكون كل المطلوبين لدى المحكمة طوال أكثر من 13 عام هم فقط أفارقة! مع أن العالم من أقصاه إلى أقصاه شهد ما يزال يشهد مئات الحروب والجرائم والمجازر الموثقة. ثالثاً، أن القمة التي تحمل الرقم 26 مخصصة أساساً لقضايا حقوق الإنسان مع التركيز على حقوق المرأة، فإذا كان العالم المتحضر اليوم يدعو إلى صيانة وإنفاذ هذه الحقوق الإنسانية فليتحمل مسئولياته حيال العقوبات الأحادية التي تطعن حقوق الإنسان في الصميم وحيال المتلاحقات القضائية غير العادل والمخلوطة بالسياسية والمصالح والتوجهات العنصرية. إن نجاح السودان في معاونة دول القارة الإفريقية لتبني قضايا القارة الحقيقية التي يعبث بها المجتمع الدولي ممثلاً في الدول الكبرى ذات العقلية الاستعمارية لهو نجاح مقدر بثمن، فهو نجاح لدول القارة في توحد قراراتها ومواقفها تجاه الآخرين الهادفين لإعادة استعمارها بطريقة حديثة؛ ونجاح للسودان في إدارة ملفاته هذه مع الدول الكبرى المعادية له من خلال محافل إقليمية لا بد أن يحسب لها حساباتها لو بعد حين!