مع ان السودان اكتفي فقط بإيفاد ممثله الدبلوماسي فى كمبالا الى قمة الاتحاد الإفريقي التى انعقدت هناك الأسبوع الماضي ، فان ما حصده من القمة و القرارات التى صدرت و الكلمات التى ألقيت تدعيماً لمواقفه من الجنايات الدولية يعتبر حصاداً وفيراً بكل المقاييس . فقد أعادت القمة التأكيد على رفضها التعاون مع الجنائية الدولية بعبارات و كلمات قوية، و بدا واضحاً ان القادة الأفارقة يزودون عن حمي سيادتهم الوطنية ضد محكمة ثبت أنها مفصلة خصيصاً للقادة الافارقة – أو كما قال احد المسئولين الأفارقة – محكمة الرجل الأبيض فى مواجهة الرجل الأسود . ولا شك ان هذا الموقف الافريقي الساطع – و حتى لو لم تلتزم به كل الدول فى الاتحاد ، أو خالفته بعض دول القارة الواقعة تحت ضغوط قوي دولية – فهو فى حد ذاته كموقف معلن ، يجري فى محفل محضور كهذا يعتبر بكل المقاييس عملاً سياسياً هائلاً و ضربة قاصمة لمحكمة الجنايات الدولية التى من المؤكد انها تستشعر هزيمة مؤلمة كونها كانت قبل اسابيع قليلة تعقد مؤتمراً فى ذات العاصمة كمبالا تناقش فيه مستقبل الجنائية و كيفية دعم القارة لها ,. و لعل أكثر ما سوف يزيد من جراح الجنايات الدولية – و على وجه الخصوص لويس اوكامبو – أن مواقف دول الاتحاد الافريقي التى تجددت سبقتها فى ذات السياق مواقف دول ( س،ص) التى انعقدت فى العاصمة التشادية انجمينا قبل ايام قلائل جداً من قمة كمبالا ،و قد حضر الرئيس البشير الذى تلاحقه الجنايات الدولية قمة (س،ص) فى تشاد ، مع ان تشاد عضو فى المحكمة و للمحكمة مكتب خاص فيها لكن على الرغم من كل ذلك فان تشاد ضربت عرض الحائط بقرارات الجنائية على نحو عملي فاعل. و جاءت ضربة اضافية أخري اكثر إيلاماً حين رفض الاتحاد الإفريقي فتح مكتب للمحكمة – أى انشاء محكمة فرعية – فى القارة الإفريقية ! و خلاصة هذا الموقف افريقي ان القادة الأفارقة أدركوا ما يحاك لهم و وعوا الدرس ، فالاستعمار الذى حصد مواردهم لقرون ،وشحن أسلافهم عبر المحيطات لخدمة الرجل الأبيض فيما وراء الأطلسي و أعالي البحار، هاهو الآن يعود اليهم و هو يحمل (ميزان مختل و كاذب) يدعي انه هو ميزان العدل ! و هو ميزان صنع خصيصاً للقادة الأفارقة ، و لو لم يكن كذلك لما تركت المحكمة أبشع جرائم الإبادة الجماعية و الوحشية فى العراق و غزة و أفغانستان و تفرغت فقط لملاحقة قضايا ليس لها أى أساس فى دارفور ؟ ان أغلي ما ربحه السودان من هذا الموقف ليس مجرد حصوله على حماية او دعم لرمز سيادته ،ولكن نجاحه فى ترسيخ الإرادة السياسية للأفارقة و تمسكهم بسيادتهم الوطنية ورفضهم الخضوع لسلطان المحكمة و معيارها مختل من الأساس .وهو نجاح ينداح ليملأ كافة أرجاء القارة ،ويؤكد للأوروبيين و الغرب عموماً ان الافارقة يقاومون ما يحاك ضدهم ،وان اتحادهم هذا بالغ مراميه و أهدافه لا محالة و حينها لن يجد الأوربيين شيئاً يفعلونه غير احترام هذا العمل الافريقي المشترك.