مرة أخرى يتكرر مشهد الإفلاس الذي يعكس ملامح من نوايا وتصورات مجموعات محسوبة على المثقفين ومحسوبة على المعارضين لكنهم يعبرون عن تيار حقد سياسي وعنف وتوحش لفظي ويمارسون نوعاً من أنواع الإرهاب لأي شخصية يرون فيها رمزية للنظام الحاكم في السودان .. بروفيسور إبراهيم محمد عمر قدم تنويراً يوم الجمعة الماضية للجالية السودانية بنيويورك حول تطورات الأوضاع في البلاد، وقبل أن ينطق بكلمة واحدة وحسب مقطع فيديو تم تداوله عبر وسائط الإعلام الإلكتروني دهمت القاعة مجموعة من الأشخاص وتهجموا لفظياً بشكل مسيء جداً على بروف إبراهيم أحمد عمر بعد أن حملوا على لسانهم (كوبي) من أفظع الشتائم التي يتم دلقها في ممارسات (العادة) على الإنترنت . كنت أتمنى أن تنقل فضائية السودان هذا المقطع وتبثه للشعب السوداني حتى تكتمل في خياله صورة حقيقية لنموذج معارضة الشتم والحقد والضغينة.. وأرجو من الأستاذ الطاهر حسن التوم أن يخصص حلقة من برنامجه المشاهد على فضائية النيل الأزرق (حتى تكتمل الصورة) حول ظاهرة التحرش بالمسؤولين الرسميين في عواصم أوروبا. بروف إبراهيم أحمد عمر جاء ممثلاً للسلطة التشريعية ولم يأت ممثلاً للحكومة.. وقد جاء ليقدم تنويراً في لقاء مفتوح مع الجالية وهو يعلم تماما العلم أن نسبة غير قليلة من الحضور قد تتبنى وجهات نظر مخالفة له وبالتالي من البديهي أنه حين قرر عقد هذا اللقاء كان على استعداد للنقاش وليس لتقديم محاضرة تلقينية.. ألم يكن من الأنسب لهؤلاء لو كانت لديهم قضية وموقف محدد وطرح مقنع أن يستثمروا هذه الفرصة وهذا المنبر لإثارة حوار مع رئيس البرلمان بحرية كاملة في النقاش وطرح الأفكار وتوجيه ما لديهم من الاتهامات نفسها لكن بشكل موضوعي ومسنود بالمنطق والدليل ثم يستمعوا إلى رد البروف وتعليقه..؟.. أليست هي فرصة لمبارزة موضوعية مشهودة ومشحونة بالمنطق، توثق لقوة طرح المعارضة لو كان طرحها يحمل هذه الصفة؟! لماذا تريد هذه التيارات (خم) الساحة السياسية بلافتات لامعة ودون امتلاك أدنى شجاعة للحوار مع الآخر..؟ أليس محاولة إثارة فوضى في منبر حواري مفتوح في أمريكا (شخصياً) هو نوع من الهروب من الحوار وتأكيد الإفلاس؟. من يتحدث عن عدم توفر مناخ لحرية تعبير بالداخل.. ها هو المناخ قد توفر لك في (بلد الحريات) حسب اعتقادك فلماذا تستثمر هذه الفرصة في ممارسة إرهاب وتحرش بدلا عن حوار مقنع؟.. أليس البروف كما حكمت عليه شتائمكم محسوبا بقوة على النظام فكرياً وسياسياً ويتحمل مسؤولية في صناعة القرار أو هو أحد الذين يتحملون مسؤولية سياسات الإنقاذ وتوجهاتها منذ 89..؟! فهل هناك أفضل من هذه الفرصة لوضعه في كرسي ساخن وكشف ضعف حجته وقوة حجتكم والتعبير عن ما تعتقد تلك المجموعات أن الجماهير محرومة من التعبير عنه في الداخل..؟ لكن الواضح أن هناك خللا كبيرا في فهم الكثير من المثقفين المعارضين لمصطلح (حرية التعبير).. حين يجعلونه الاسم البديل للشتم والإساءة والعنف اللفظي والتعدي الجنائي بالاتهامات الجنائية الصريحة لشخص بعينه بأن فلانا الذي أمامكم (سارق) وفلانا (قاتل).. إلخ . نحتاج لجهد كبير ووقت طويل لاستعادة ثقافة الحوار بيننا كسودانيين.. حتى لا تأتي (حرية التعبير) في أية مخرجات منتظرة جنيناً شائهاً لا فرصة له في الحياة. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 14/2/2016م