بالطبع ليس محظوراً على أي قوى سياسية تأنس في نفسها القدرة على التجانس والفعل السياسي أن تأتلف وتتحالف. التحالفات السياسية أمر محمود في الممارس السياسية لأن يقلل والى أدنى حد نقاط الخلاف بين القوى السياسية من جهة، ويزيد من نقاط التوافق و الثوابت الوطنية من جهة أخرى. وإذا ما أمعنا النظر -تاريخياً- في واقعنا السياسي فإن الحزب الاتحادي والوطني الاتحادي كانا في يوم ما نتاجاً للتحالف. جبهة الميثاق والجبهة الاسلامية و حتى المؤتمر الوطني كانوا نتاجاً لتحالفات . الاحزاب الأوربية قاطبة تألفت من تحالفات حتى انتهى بها الأمر إلى حزب واحد أو حزبين، وهكذا فالتحالفات أمر مطلوب ويعبر عن التنوع القابل والقادر على التعايش والانسجام. غير أن نظرة واحدة مهما كانت محايدة و موضوعية لواقع التحالفات للقوى السودانية المعارضة تقلب هذه النظرية رأساً على عقب! تاريخ القوى السودانية المعارضة الحديث حافل بالتحالفات بشتى المسميات الجاذبة وغير الجاذبة، ولكنها لا تصمد أمام نفسها ولو لسويعات. التجمع الوطني الديمقراطي مطلع تسعينات القرن الماضي وصل به الغرور في يوم من الأيام وبلغ درجة من الانتشاء حتى أطل رئيسه -يومها- السيد محمد عثمان الميرغني عبارته التندّرية الشهيرة (سلم تسلم)! ومنذ تلك اللحظة غاص التجمع في وحل خلافاته الداخلية وسلم نفسه لنفسه! ثم جاءت (قوى الإجماع الوطني) و كان الظن أن الأذهان المكتظة بالتجارب والعبر قد وعت الدرس، ولكن كانت المفاجأة أن (دعوة) أطلقها الرئيس البشير للحوار الوطني مجرد التحاور بين الجميع على مائدة مستديرة وعلى نحو مساو للكل تكفلت بإجماع قوى الإجماع على الافتراق، وأن يشق كل طريقه! الجبهة الثورية وما أدراك ما هذا الجسم العليل، تكفل خلاف (داخلي) حول الرئاسة بالقضاء المبرم على وجودها. قوى نداء السودان –وبكل هذا المسمى الجميل، عقدت ما عقدت من لقاءات في باريس وأديس ولكن لا حياة لمن (تنادوا)! الآن رزقت قوى المعارضة بمولود جديد أطلقت عليه (قوى المستقبل)! المدهش في هذا التكوين الجديد أن آباؤه 40أباً! حسناً، فلنقل إن قوى المستقبل يتكون من 40 حزباً ألم يكن متاحاً أمام هذه القوى خوض غمار الحوار الوطني؟ أيهما أفضل لأحزاب بهذا العدد المهول وبهذا التحالف الذي نعتبره قوياً، فرض رؤيتها بالمنطق والقوة والوزن السياسي والحجة الحسنة داخل قاعة الحوار، أم انتظار نتائج الحوار لإسقاط النظام؟ هل هناك عاقل يستعد لإسقاط نظام فرغ لتوه من أضخم مشروع حوار وطني يتأهب لتنفيذ مخرجاته؟ وإذا كان هذا التحالف تحالفاً حديثاً بأحزاب حديثة وجديدة، أليس من المنقط أن تعد نفسها لمنافسة انتخابية تستعد لها من الآن وطوال السنوات الأربع المتبقية؟ هذه في الواقع الأمر هي مأساة السودان، قوى سياسية معارضة تتحالف (تحالف قادة و زعماء) دون وجود قواد و جماهير وتعتقد أنها بمسمياتها الكثرة قادرة على إسقاط النظام أو تخويه! لا تأبه للمتغيرات ولا تنتبه للمعطيات السياسية ولا ترتبط بواقع أو جماهير. فقط تطلق الاسم و(الزغرودة) الأولى وتنتظر أن تأتيها السلطة تجرر أذيالها ومن رواها جماهير الشعب التى تعتبرها منقذها! هذا التكرار الباعث على الملل في الممارسة السياسية السودانية افقد الحياة السياسية السودانية روح التنافس وأثبت للمواطن السوداني أنه عليه ألا ينتظر (أصحاب المسميات التحالفية) عمر شهر أو شهرين، فهم أناس (من الماضي) وليس لديهم حاضر ومع ذلك يتوقون -دون حياء- أن يكونوا قادة المستقبل! تحتاج قوى المعارضة السودانية أن تراجع سجل الوفيات، قبل أن تسجل أي مولود جديد!