أياً كان المقام الذي سيتسع للدكتور خليل، وأياً كانت الدولة التي تتحلى بقدر وافر من الشهامة السياسية وتستضيفه لديها، فإن مجمل ما يمكن استخلاصه من هذا الموقف المريع أن د. خليل يعيش حالياً حالة فشل كان محتماً أن يصل اليها بعد أن أهدر منذ سنوات عشرات الفرص والسوانح في الحصول على اتفاق سلام محترم، ومشرّف فالحركات المسلحة – مهما كانت مقاصدها – لا تراهن على أمر واحد ولا تضع البيض كله في سلة الاجنبي، والعامل الخارجي، وهذا بالضبط ما قضى على د. خليل وأوصله الى هذه النهاية السياسية المحزنة. وليس ببعيد عن د. خليل، الجسم السياسي الآخر المرتبط به ونعني المؤتمر الشعبي الذي يقوده الدكتور حسن عبد الله الترابي اذ أن من ما بات معلوماً عنهما – الشعبي والدكتور خليل – أنهما مرتبطان بصورة أو بأخرى وكلاهما الآن دخلا في نفق. واذا جاز لنا أن نتساءل، لماذا ضاقت فرص الاثنين الآن – خليل والشعبي – وأصيبا بما يمكن تسميته (التشرّد السياسي) فإن الإجابة في غاية البساطة ولفرط بساطتها فهي كانت موضعاً لتنبؤ الكثير من المراقبين فالدكتور خليل والشعبي قامت كل أسس انشاءهما على مشاعر حنق وغضب بل وضغائن سياسية دفينة تجاه رفقاء الأمس في المؤتمر الوطني، وقد بحثنا ونقبنا – لسنوات – عن طبيعة القضية التي يدعو لها د. خليل وطبيعة أطروحاته السياسية وأسباب حمله للسلاح وارتباطه بقوى أجنبية، فلم نجد أثراً لأي شئ يتسق مع المنطق. مجرد حمل سلاح لازاحة الحاكمين، وبعد ذلك لا يهم وليس أدل على ذلك من مغامرة د. خليل غير المسبوقة ومهاجمته للعاصمة الخرطوم قبل نحو من عامين في العاشر من مايو 2008، اذ أن الرجل تتصل قضيته باقليم دارفور فما شأنه اذن بالخرطوم والمركز؟ أغلب الظن أنه يسعى – بمشاعر تموج بالحقد – لازاحة السلطة الحاكمة، غير عابئ بنتائج ما سوف يعقب ذلك وهو ما يتطابق تمام التطابق مع كل تحركات المؤتمر الشعبي فلا هو يسعى لتداول سلمي للسلطة، ولا يؤمن أو يعتقد أن هنالك ناخبين يريدونه أن يحكم، فقط يريد إبعاد رفقاء أمسه من السلطة. وهكذا إن الإثنين تدفعهما دوافع (غير سوية سياسياً) والأسوأ من ذلك أنهما – بقصد أو بغير قصد – أعطيا انطباعاً لدى كافة السودانيين أنهما باحثين عن فوضى، وأعطيا انطباعاً لدى السلطة الحاكمة أن تقف في وجههما بقوة نظراً للغريزة التخريبية المتمكنة منهما وانتقل ذات الانطباع الى القوى المجاورة – تشاد والجماهيرية ومصر – ومن ثم ايضاً فرنسا والولايات المتحدة – باختصار الشعبي وخليل عملا على اظهار (وجه ارهابي) بأي معيار نظرنا اليه، معيارنا المحلي المتمثل في ترويع المواطنين ورفض التفاوض والبحث عن وسيلة لتغيير المعادلة السياسية بكافة الطرق، والمعيار الدولي المتمثل في التطرف في المواقف وارتكاب كافة الجرائم لاجل ازاحة من هم في السلطة. لقد كان اذن من الطبيعي أن يمضي احدهما – د. خليل تائهاً متشرداً بين العواصم – والآخر حبيساً رهن التحقيق، وفي الحالتين فإن الرجلين تراجع عنهما بريق الماضي وأصبحت تلاحقهما (لعنة سياسية) وأصبحا من المنبوذين محلياً واقليمياً ودولياً!!