حين ينصّب الرئيس السوداني المشير البشير – الخميس – رئيساً لجمهورية السودان لدورة رئاسية للأربعة أعوام المقبلة بعد حصوله على ثقة الناخبين السودانيين في الاستحقاق الانتخابي الذي جرت وقائعه في إبريل المنصرم فإن العبرة السياسية هنا ليست بمن هو الرئيس، ولماذا اختارته إرادة الناخبين السودانيين رئيساً لهم في هذا الوقت بالذات، وإنما العبرة هنا تتمثل في أن السودان، الدولة التي ظلت تعاني من احتراب ونزاعات ومشاكل جمة، تضع اليوم – بحفل التنصيب هذا – خطوات جادة على طريق استدامة التداول السلمي للسلطة، فالبشير على أية حال جاء هذه المرة بتفويض شعبي تجاوزت نسبته ال67%، وهو بالطبع لن يكون رئيساً فقط لمن صوتوا له وإنما للجميع، لمن صوتوا له ولمن نازلوه ولمن قاطعوا الإنتخابات. والعبرة هنا أيضاً بأن السودان يدخل عتبة نظام سياسي رئاسي – لأول مرة في تاريخه النيابي – عن طريق منافسة حرة روقبت دولياً، والنظام الرئاسي مرتبط بنظام ادارة فيدرالي حيث للولايات سلطاتها وللمركز سلطاته وصلاحياته، هذه المعطيات جديرة بالتأمل وباهتمام العالم، فلربما كان السودان بهذه المثابة الدولة الأولى في المنطقة التي تؤسس لنظام حكم بهذه النوعية الفريدة وتبسط فيها الحريات وتوجد فيه قوى سياسية متنوعة، بامكانها الوصول الى السلطة اذا اجتهدت وجدّت وعملت بهمة من أجل ذلك. ومن المهم هنا ونحن نتابع مجريات حفل تنصيب الرئيس السوداني وأدائه القسم أن نلحظ تراجع الأزمة في دارفور الى حد كبير للدرجة التي لم تعد هنالك حركة مسلحة في دارفور جديرة بأن يُحسب لها حساب فحتى حركة الدكتور خليل التي كانت تملأ الآفاق فرقعات وضجيج خمد صوتها وبات زعيمها الدكتور خليل لا يتجاوز كل طموحه، الحصول على (ملاذ آمن) أو فندق آمن يقضي فيه ليلته، أو طاولة مفاوضات تصون له ما تبقى له من كرامة وأما عبد الواحد محمد نور، فقد (غاب) منذ سنوات عن الفعل السياسي في دارفور. وبالنسبة للجنوب السوداني فيكفي أن رئيسه الذي جرى تنصيبه قبل أيام – الجمعة الماضية – لم يجد بُداً من الاقرار صراحة بأن (غالب بنود اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا 2005 قد تم تنفيذها)! وهي شهادة لأول مرة – منذ ما يجاوز الخمس أعوام – ترد من الطرف الجنوبي بهذه البساطة والمباشرة والوضوح. اذن من حق السودانيين في مثل هذه المناسبة أن يقفوا قبالة هذا الاحتفال الذي يؤدي فيه رئيسهم اليمين الدستورية ليتأملوا في واقعهم ومستقبلهم، اذ أن التحديات المنتظرة ليست سهلة ولكنها ليست بأصعب من تلك التي مضت، فاستفتاء تقرير مصير الجنوب وفض نزاعات نتيجة الاستفتاء وبناء الدولة السودانية فيما بعد يناير 2011 كلها قضايا جديرة باهتمام كافة قوى السودان السياسية حاكمة وغير حاكمة، فقضايا البلاد العليا لا تحتمل المزايدات والصراعات وهو ما نتطلع اليه بحق في المرحلة الصعبة المقبلة!