القاهرة - 'القدس العربي' - من حسنين كروم كانت الأخبار والموضوعات الرئيسية في الصحف المصرية الصادرة الجمعة عن افتتاح الرئيس مبارك طريق سوهاج - البحر الأحمر، والاستماع الى شرح وزير الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين عن المشروعات التي ستتم اقامتها على جانبي الطريق وشرح وزير الزراعة أمين أباظة انه سيتم استصلاح خمسة وثلاثين الف فدان. كما نشرت الصحف تصريحات أخرى لأباظة توعد فيها صاحب منتجع السليمانية على طريق القاهرة - الاسكندرية الصحراوي باستعادة الدولة أملاكها التي استولى عليها وأقام مشروعات إسكان فيها، وكذلك محاسبته على تحويل الأراضي التي منحت له لزراعتها الى منتجع. واهتمت الصحف بالانتخابات التي ستجرى الجمعة لانتخاب رئيس جديد لحزب الوفد، والمتنافسون فيها رئيسه الحالي محمود أباظة وعضو الهيئة العليا الدكتور السيد البدوي والسيدة إجلال المليجي، وكانت الفضائيات والصحف بما فيها الحكومية أقامت مناظرات بين أباظة والبدوي، وسيشارك في التصويت أعضاء الهيئة الوفدية وعددهم الفان وتسعة وثلاثون يمثلون أعضاء هيئات مكاتب لجان المراكز، ولجان الشباب والمرأة، وكلمة جمال مبارك في الحفل الانتخابي الذي اقامه الحزب الوطني في المنيا لدعم مرشحيه في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى وإدلاء الإعلامي حمدي قنديل يوم الأحد بأقواله في البلاغ الذي قدمه ضده وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئاسة السيدة سوزان مبارك اجتماع اللجنة العليا للقراءة للجميع بمناسبة مرور عشرين عاما على إنشائها، وقرار وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر بوضع مدارس الحلم والأهرامات والوادي وابن سينا التي تدرس المناهج الأمريكية تحت إشراف الوزارة بعد رفض الكويت الاعتراف بها، وتماثل السائح البلجيكي فيليب ليندرز للشفاء بعد ان طعنه في أسوان مدرس أزهري سابق يدعي النبوة ورفض البابا شنودة الأقوال التي تروج لظهور المسيح بعد عامين. والى بعض مما عندنا في نهاية الأسبوع، والبواقي أهم مما سمحنا بنشره: مطالب بالخروج من جلباب عبد الناصر في قضية مياه النيل ونبدأ باستمرار ردود الأفعال على مشكلة مياه نهر النيل التي قال عنها يوم الخميس زميلنا وصديقنا ب'الجمهورية' ورئيس مجلس إدارتها السابق محمد أبو الحديد ردا على الاتهامات الموجهة للنظام بالتخلي عن افريقيا: 'كانت مصر عبد الناصر في طليعة هذه الحركة، تقدم لها في كل الدول الافريقية كل أشكال المساعدة وتفتح أبوابها لكل اللاجئين السياسيين الذين يطاردهم الاستعمار من قادتها، لكن ذلك لم يمنع من ان تتفجر قضية (مياه النيل) في وجود عبد الناصر مرتين، قبل بناء السد العالي وبعده.. وكانت اتفاقية 1959 مع السودان إحدى ثمار سعي مصر وقتها لتسوية الخلاف انتهت هذه الفترة ولايمكن استعادتها ولا يجوز أيضا ان يظل البعض يعيشون في جلبابها. الرئيس السادات لم يغفل افريقيا أبدا، على العكس، كان يعتبرها ظهره وهو يستعد لمعركة تحرير الأرض في أكتوبر 1973، واستفاد من الزخم الذي تركه عبد الناصر والوجود السياسي والأدبي الذي بناه لمصر في افريقيا ، ولذلك وقبل ان تبدأ مصر الحرب، كانت كل افريقيا معها، وبعد حرب أكتوبر كان (الملف الافريقي) على رأس عدد من الملفات الخارجية الحيوية التي أسند الرئيس السادات مهمة متابعتها لنائبه محمد حسني مبارك، ولذلك كانت افريقيا في قلب وعقل مبارك، حتى قبل ان يصبح رئيسا للجمهورية.. وكان في قلبها وعقلها، وكنت - شخصيا - شاهدا على ذلك. رافقته في أواخر السبعينيات ضمن وفد صحافي في جولة هائلة شملت زيارة عشر دول افريقية في شرق وجنوب القارة استغرقت 12 يوما، وكان من بينها اربع من دول حوض النيل السودان وكينيا وأوغندا وتنزانيا بالاضافة الى تشاد والصومال وجيبوتي وزامبيا وموزمبيق، ورأيت كيف كانوا يستقبلون مبارك في هذه الدول - وهو نائب للرئيس- استقبال الرؤساء والأبطال، فمصر كانت، ولا تزال بقوة هناك ومبارك كانت قد سبقته وقتها الى هذه الدول، سمعته العسكرية كواحد من أبطال حرب أكتوبر وقائد الضربة الجوية التي قطعت ولأول مرة الذراع الطويلة لسلاح الجو الاسرائيلي وساهمت في القضاء على أسطورة الجيش الذي لا يقهر. ورافقت مبارك مرة ثانية عام 1980، وهو يمثل مصر في قمة (لاغوس) الاقتصادية في نيجيريا، نائبا عن الرئيس السادات، فضلا عن جولات مبارك المكوكية بين الجزائر والمغرب وموريتانيا لنزع فتيل صدام عسكري كان وشيكا بين الجزائر والمغرب على الحدود. مبارك كان يذاكر الملف الافريقي ويضيف رأيت مبارك في كل هذه الجولات والمهام الافريقية شديد الحرص على ان (يذاكر) جيدا الملف الافريقي ويحفظ كل دقائقه وتفاصيله، إيمانا بالمصير الواحد الذي يربط مصر بالقارة، وكان يستعين في ذلك بالسفير القدير الراحل (أحمد صدقي) الذي كان يتولى الشؤون الافريقية وقتها في وزارة الخارجية بالاضافة الى الدكتور أسامة الباز ولذلك كان طبيعيا حين أصبح مبارك رئيسا للجمهورية في 1981 ان يكون استمرار الاهتمام بأفريقيا وبقضية مياه النيل، ضمن أولويات السياسة الخارجية المصرية في عهده رغم ان الرئيس قضى السنوات العشر الأولى مشغولا بمواجهة الارهاب والوضع الاقتصادي المتردي في الداخل وضمان استكمال تحرير الأرض المصرية واعادة العلاقات العربية المقطوعة مع مصر منذ عام 1979 في الخارج، الشواهد على ذلك أكثر من ان تحصى.. لكني أكتفي منها بهذه الأمثلة. - مثلما نجحت (مصر السادات) في الحصول على (إجماع افريقي) وراءها في حرب أكتوبر 1973 نجحت (مصر مبارك) في الحصول على نفس الإجماع الافريقي على ترشيح الدكتور بطرس بطرس غالي كأول سكرتير عام افريقي للأمم المتحدة في تاريخها، وما كانت مصر لتنجح في ذلك لو كانت (غائبة) عن الساحة الافريقية أو كان دورها ضعيفا او كان مبارك بلا تأثير او نفوذ على قادتها فقد كان يتصل بهم بنفسه ويحصل على تأييدهم. - (مصر مبارك) هي التي سارعت الى الانضمام عام 1998 للسوق المشتركة لدول شرق ووسط وجنوب افريقيا المعروفة باسم (الكوميسا) وتضم 22 دولة من بينها كل دول حوض النيل التسع، من أجل دعم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع هذه الدول وفتح الباب أمام الصادرات والاستثمارات المصرية والعمالة فيها'. وفي الحقيقة فلم اعرف ما الذي يريد أبو الحديد بأن علينا عدم العيش في جلباب فترة عبد الناصر، وهل هو موجه لنا أم لقادة افريقيا، لكن الذي لم اتوقعه منه وهو الحريص على الدقة في سرد الوقائع، ان يقوم بعملية مؤسفة في تفسيره لاتفاق 1959 مع السودان، فلم تكن هناك أزمة وانما اتفاق بين البلدين بسبب مشروع السد العالي والبحيرة التي سوف تحتجز المياه واغراق مساحة من اراضي السودان، وحصول مصر على حصة من مياه السودان زائدة عن حاجتها تستمدها متى شاءت.. أما عن السادات وافريقيا، فقد تناسى تهديده بشن الحرب على اثيوبيا بعد الأزمة التي تسبب فيها عندما أعلن فجأة عن مشروع أطلق عليه اسم زمزم الجديدة، ويقضي بتوصيل مياه النيل الى مدينة القدس ليشرب منها الحجاج المسلمون والمسيحيون واليهود للمدينة المقدسة، وكذلك توصيلها لصحراء النقب في اسرائيل مقابل موافقة رئيس وزرائها وقتها مناحيم بيغن على الجلاء عن الأراضي الفلسطينية فرفض، وهدد الرئيس الاثيوبي وقتها منغستو هايلا مريام بالتدخل لخفض حصة مصر من المياه مادام لديها فائض ترسله لإسرائيل.. بالاضافة الى عدم جواز نقل المياه الى دول اخرى وفي قارة اخرى، كما ان الرئيس السوداني وقتها جعفر النميري سارع برفض اقتراح السادات فما كان منه الا ان تهكم عليه في خطبة علنية وهدد اثيوبيا بالحرب. ثم نتحول ل'الأهرام' في نفس اليوم حيث وقعت عيني في الصفحة التاسعة على رسم لزميلنا وصديقنا الفنان الكبير حلمي التوني، وكان عن قارة افريقيا وتتوزع عليها حروف اسم ناصر بالانكليزية ثم تصريح رئيس وزراء كينيا: 'عبد الناصر كان صديقا لأبي ومنحنا جوازات سفر عندما لجأنا الى مصر'. واكتفى حلمي بكتابة عبارة، بدون تعليق، ولا أعرف لماذا لم يكتب على افريقيا خالد الذكر بالانكليزية أيضا. ماذا لو انفصل جنوب السودان؟ ونظل في عدد 'الأهرام' لأن زميلنا سامح عبد الله اثار أمامنا مشكلة أخرى، وهي ان دول حوض النهر ستزيد واحدة بانفصال جنوب السودان العام القادم، وهو ما يتطلب تكتيكات جديدة، قال عنها: 'انفصال جنوب السودان يعني اضافة دولة جديدة لدول حوض النيل سيكون لها دون شك موقف من الازمة الحالية وسيكون هذا الموقف مؤثرا في مسار الازمة خاصة ان الدولة الجديدة ستكون في حاجة لتوفير موارد مائية. هذه الموارد سيتم توفيرها عبر طريقين: الأول اقتسام حصة السودان الموحد حاليا والتي تبلغ18.5 مليار متر مكعب سنويا أو البحث عن حصة جديدة خارج المخصص حاليا للسودان. مخاطر الحالة الأولى انها ستدفع بالسودان للمطالبة بتعديل الاتفاقيات السابقة حتى لا تتأثر حصتها الحالية وهو ما يعني أننا سنفقد الحليف الرئيسي لنا في المفاوضات مع دول الحوض. ومخاطر الحالة الثانية انها ستدفع بالدولة الناشئة للمطالبة بنظام جديد لتوزيع الماء وهو ما يعني انضمامها للفريق المخالف لمصر في الرأي. على مصر ان تبدأ من الآن بطرح مشروعات لتعظيم الفائدة من1650مليار متر مكعب من الماء تسقط على الهضبة الاثيوبية والمناطق المختلفة داخل حوض النيل والتي يضيع معظمها هدرا دون استفادة حقيقية'.