هل تستطيع فرنسا استحضار الإرث الديغولي الحميم إلى سابق عهده مع إفريقيا، أم أن اليانكسي والتنين الصيني قد خطفا ذلك الميراث السياسي والاقتصادي التليد، وشرعا في إقامة علاقات سياسية واقتصادية قوامها المصالح المشتركة مع القارة السمراء والاستفادة من مواردها الطبيعية في طليعتها النفط والمواد الخام؟ وهل أصبحت الدول الإفريقية كرة سلة، بل ودمية تلعب بها الدول العظمى سعياً للمجد وشهوة الحيازة مع غياب الزعامات الكرسمية الإفريقية. تلتئم يوم غد الإثنين القمة الفرنسية-الإفريقية الخامسة والعشرون في مدينة نيس الفرنسية بمشاركة 52 وفداً إفريقياً لمناقشة موقع إفريقيا في هياكل الحكومة بالعالم اقتصاديا وسياسيا، وتحديات السلم والأمن في إفريقيا، وإشكالات تغيير المناخ، وحاجة إفريقيا إلى التنمية. ورشحت معلومات أولية بأن القمة سوف تصدر توصيات عاجلة لمجلس الأمن الدولي لمنح مقاعد أعضاء دائمين للدول الإفريقية، وتمثيل إفريقيا في دول العشرين، والتهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والقرصنة البحرية وتهريب السلاح، والجريمة المنظمة والمخدرات والاتجار بالبشر، وتمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية والأمن الغذائي. لقد ظلت الدول الإفريقية منذ استقلال معظم بلدانها في ستينيات القرن الماضي مهداً للتجاذب والترنح السياسي مع فقدان البوصلة التي تحدد الاتجاه والمسار السياسي، فقد سقطت القارة ولفترة ليست بالقصيرة في أحضان الدول المستعمرة التي لم تجد منها إلا الاستغلال ونهب الثروات والموارد، ثم دخلت في عباءة الاتحاد السوفييتي السابق الذي منحها الإيديولوجيا، والسلاح، فالأيديولوجيا لم تحقق الاشتراكية، كما لم تحقق سيادة طبقة البروليتاريا، مثلما لم تحقق لها اقتصاداً مزدهراً أو هيبة في سلم الوجود الدولي. كما ظلت القارة مثالاً صارخاً لتفشي النزاعات والحروب القبلية والعرقية والسياسية.. وتربعت الشمولية والديكتاتورية على العروش وكست الرؤساء بالتيجان والصولجان، وألبست الشعوب لباس الفقر والجوع والمرض والوهن والغثيان. ولم تكافأ حركات التحرر التي حققت الاستقلال بالعرق والدم والدموع على نضالها، وعوضاً عن ذلك فقد كان مصير المنادين بالحرية والوثوب من وهدة التخلف وبراثن الفقر وتحقيق الإصلاحات السياسية-المعتقلات العتيقة والمحابس الموحشة والسجون المجنونة. والأولوية التي يتوجب على القادة الأفارقة المناداة بها ليس فقط إجراء الإصلاحات الهيكلية في مجلس الأمن، وإنما أيضاً إجراء إصلاحات شاملة في نظم الحكم وتأسيس أنظمة ديمقراطية تكون قادرة على بناء وتنمية القارة وفق أسس جديدة استوجبتها ضرورات العولمة والتمازج الثقافي والحضاري.. ووضع خريطة طريق التعاطي مع الدول العظمى وفق معايير جديدة وجديرة بالتقدير والتعامل معها طبقاً لمبادئ الندية والمصالح الحيوية المشتركة بدلاً عن الهيام بالمتاهات. القمة الفرنسية-الإفريقية التي تم تحويل مقر انعقادها من القاهرة إلى مدينة نيس الفرنسية تحاشياً لحضور الرئيس البشير، لا تعدو أن تكون ممارسة للعلاقات العامة، ولا يتوقع منها أن تحقق نتائج مرجوة للمشاركين فيها، لأن التنين الصيني قد خطف الاستثمارات الإفريقية من الوجود الأمريكي المتذبذب، ومن غطرسة الرئيس الفرنسي ساركوسي الذي لا ينسى الأفارقة مقولته الشهيرة عندما خاطب ثوار الأضاحي وجلهم من الأفارقة بأنهم "حثالة وأوباش"! المصدر: الشرق 30/5/2010