علي الرغم من فراغ كل ولايات دارفور الثلاث من تشكيل حكوماتها الا أن أحداً حتي الان – لا من داخل الاقليم أو من خارجه – أبدي سخطاً أو رفضاً لهذه الحكومات بل كان الأغرب من كل ذلك أن الحكومات الولائية نالت رضاء مواطني الاقليم وهذا ما يجعلنا نقف قليلاً عند هذا الواقع الجديد فقد كان الجميع يتوقع خلافات ومنازعات في تشكيل حكومات ولايات دارفور سواء بسبب التداخل القبلي أو الانتماءات السياسية أو حتي بسبب ترسبات الحرب والقتال غير أن المفاجأة كانت أن ولاة الولايات الثلاث لم يجدوا صعوبة في اختيار نخبة جيدة من المسئولين ذوي المؤهلات الحقيقية وليس مجرد أشخاص الهدف من تعيينهم اشباع رغبات قبائل بعينها أو ذوي انتماء سياسي محدد واذا أخذنا نموذجاً لذلك فان أمامنا حكومة ولاية جنوب دارفور التي يتولي حكمها عبد الحميد موسي كاشا فقد لفت كاشا النظر بتعيينه لحكومة كل وزرائها من حملة المؤهلات العلمية المتخصصة بحيث بمكن القول أنها حكومة تكنو قراط وساسة في ان واحد لديهم وعي بطبيعة قضايا الاقليم ولديهم القدرة الفنية علي معالجتها وسطع بخم عدد من أساتذة الجامعات وحملة الشهادات العليا وذوي الخبرات في جنوب دارفور فما هي اذن دلالة واشارة هذه الحكومات؟ أول دلالة هامة هي أن اقليم دارفور في الواقع متجانس قبلياً وسياسيا وأن أهل دارفور لاي قل غالبهم في مستوي التعليم والوعي عن رصفائهم في الشمال السوداني العريض بدليل هذه النخبة الممتازة التي تم اختيارها بعناية لقيادة مرحلة هامة في تاريخ الاقليم وتاريخ السودان. أما ثاني دلالة فتتمثل في أنه لا صحة البتة لما ظل بشاع من أن أهل دارفور لم تتح لهم الفرص للوصول الي المواقع التنفيذية والسياسية العليا وحتي لو تغاضينا عن ذلك فان من المقطوع به أن هذه التشكيلات الحكومية الجديدة قضت تماماً علي هذا الادعاء فأهل دارفور ونخبتها الان يحكمون اقليمهم النهوض به ومواجهة تحدياته بأنفسهم وهذا الامر مهم للغاية لجهة كثيرة نقد الحركات المسلحة للمركز ومطالبته بالسلطة والثروة فها هي الان السلطه والثروة في يد أهل دارفور في اطار ممارسة ديمقراطية وعليهم أن يثبتوا أنهم قادرين علي التحدي. الدلالة الثالثة – وهي الأهم بنظرنا- أن هذه التشكيلات الحكومية لم تدع شئياً للحركات المسلحة في المستقبل فالعبرة لم تعد بتقسيم السلطه وأخذ المناصب بناء علي اتفاقات سلام ولكن العبرة بالعطاء والجدية فيه وليس من الضروري أن تقضي مفاوضات سلام دارفور تكرار صيغة تقسيم السلطه وتعيين القادة المتمردين في مناصب.