لم تكن يوغندا في يوم من أيام علي وئام مع جارها السودان خاصة في ظل سلطة الرئيس الحالي يوري موسفيني فالرجل بطريقة أو بأخري اختار لبلاده القيام بدور المسرح الخلفي (الخاص) لتلاعبات أجهزة المخابرات العالمية وقد راقت له اللعبة لأنه (بقيض) الثمن ويزداد كيل بعير !! ففي منتصف التسعينات وفي سابقة افريقية خطيرة لم يجد موسفيني أدني حرج في المشاركة بفاعلية في عملية الامطار الغزيرة ضد السودان يوم أن كان الجيش الشعبي بقيادة الراحل قرنق يحارب الحكومة المركزية بضراوة ويسعي سعياً محموماً للوصل الي جوبا ذلك الحلم الذي لم يتحقق أبداً. كان موسفيني يقدم اسناداً لوجستياً وعملياتياً صريحاً ومباشراً للجيش الشعبي وكان الجيش اليوغندي يعمل ضمن جنود الجيش الشعبي كواحد منهم!! وكان واضحاً وقتها أن الخطة (استخبارية) ومسنودة من جانب دول كبري فضلت محاربة نظام الحكم القائم الذي تعاديه عن طريق وكلاء محليين مثل يوغندا دون أن تتكبد تلك الدول عناء ومشقة جلب جيوشها وأساطيلها الي المنطقة. ومع ذلك فان السودان سرعان ما صفح عن كمبالا وأعاد علاقاته بها بل وتمادي أكثر من ذلك ليتيح لكمبالا فرصة مطاردة جيش الرب الذي يغض مضجعها داخل حدود الجنوب سعياً للقضاء عليه ثم مضت جمائل السودان السياسية أبعد من ذلك لتمنح كمبالا حق الجلوس علي مقعد غير دائم في مجلس الأمن حيث اجتهدت الخرطوم رغم كل شئ لتجلس يوغندا علي هذا المقعد. غير أن كمبالا سرعان ما عادت لعادتها التي يصعب عليها الفكاك منها فقد اثارت علاقات استفهام مظلمة ومدوية عقب حادثة تحطم طائرة زعيم الجنوب الراحل د. جون قرنق أواخر اغسطس 2005 وكان واضحاً من خلال الارتباك الشديد للرئيس اليوغندي أن الرجل مرتبط علي نحو أو اخر بما جري. ولكن أيضاً استطاع السودان بسماحته المعهودة أن يتجاوز الكارثة ويضرب صفحاً عن التفاصيل تاركاً الامر لسطور التاريخ لتكشف في مقبل الايام عن تلك التفاصيل. الان تبدو كمبالا وقد تراءي لها أن الجنوب السوداني قد يصبح دولة مستقلة في القريب العاجل ولدي الرئيس موسفيني (مصالح هامة جداً فيه) فان الرجل لم يتواني في العودة لسيرته الاولي حيث رحب ترحيباً حاراً بعقد مؤتمر للجنائية في بلاده وهو يعلم أن ذلك لايتسق مع توجهات الخرطوم ولما شعر بأن المؤتمر لم يفعل شئياً ولم يؤثر بالقدر المطلوب فانه سعي لاستباق القمة الافريقية المرتقبه الشهر المقبل ليقول انه لا يسمح للرئيس البشير بالمشاركة في القمة! مع أن قرار توجيه الدعوة لحضور القمة ليس من اختصاص كمبالا ولكن كانت الرسالة واضحة فقد كان موسفيني يؤدي دوره الاستخباري وهو دور لايتأخر عنه ولا يكترث لنتائجه غير أن المأزق الان هو في كيف سيتسني لموسفيني مواجهة اتهامات قدمتها ضده المعارضة اليوغندية بارتكاب جرائم حرب في الكنغو؟ هل هو الجزاء من جنس العمل أم أن الرجل يعتبر أن وقت العرض قد حان وعليه اللحاق بالمسرح؟!