لا يبدو الجنوب السوداني و هو يستشرف الاستفتاء المصيري على تقرير مصيره - بعد ستة أشهر- على ما يرام، ولا تبدو أوضاع الحركة الشعبية الحاكمة للإقليم هى الاخري على ما يرام ، بل لا يبدو الجيش الشعبي نفسه تلك القلعة الحصينة التى يفاخر بها قادته و يهددون بها الشمال السوداني هو نفسه الجيش الشعبي الذى خاض أطول حرب امتدت لما يقارب العقدين من الزمان . لقد تبدل كل ذلك الآن وساءت أوضاع الحركة و جيشها سوءاً حقيقياً غير مسبوق ، فمن جهة أولي فان ظاهرة تمرد ضباط كبار فى الجيش الشعبي بدأت تأخذ جانباً كبيراً و تشغل حيزاً معتبراً هناك. و قد بلغ الأمر مؤخراً ان صرح الجنرال المتمرد (جورج أطور) فى حوار له مع الشرق الاوسط اللندنية أنه قادر على الإطاحة بحكومة الجنوب قبل الاستفتاء و أورد الرجل معطيات واضحة و حقائق مذهلة أقها ان ما بحوزته من رجل حتى الآن يفوق ال35 ألف مقاتل ! أما بالنسبة للحركة الشعبية نفسها، فان الانقسام السياسي بداخلها أكبر وأعمق مما يبدو للعيان ، فقد أحدثت حركة المرشحين المستقلين فى الاستحقاق الانتخابي الذى جري قبل نحو من شهرين هزة فى بنيان الحركة السياسي و تتحاشي الحركة الآن مناقشة الأمر او الإتيان على ذكره مخافة ان تفتح جرحاً إضافياً ينضاف الى الجرح العسكري الغائر ،و لعل الأسوأ هو ما ينتظر الحركة عقب اعلانها للتشكيلة الحكومية الجديدة فى جوبا، إذ تشير مصادر سياسية مطلعة فى عاصمة الاقليم جوبا أن الكثيرين ينتظرون الحدث ليحددوا مواقفهم ،فالموازنة صعبة ، و قد حاق الظلم بكثيرين و هم يشاهدون وجوهاً لم تتغير ،و جيوباً ظلت على انتفاخها منذ العام 2005م ! و من المؤكد ان جرأة المستقلين الذين أصروا على خوض الانتخابات منفردين خارج اطار الحركة مضافاً لها جرأة الضباط المتمردين الذين حملوا السلاح و يقاتلون الآن الجيش الشعبي ،أكسبت قادة آخرين جرأة على امكانية رفع الصوت و التمرد و هذه السمة لم تكن فى السابق ملموسة فى الحركة ،وهذا معناه ان هنالك صراع طاحن يدور الآن داخل الحركة ما بين تيارين رئيسيين ،وحدويين و انفصاليين ،و من المؤكد ايضاً ان الصراع سيكون مصيرياً و حاسماً . هذه المؤشرات مقروءة مع الوضع الانساني المتردي من نقص فى الغذاء و الخدمات كفيلة بالتأثير على مجريات الأمور فى الجنوب ،فهي عوامل سلبية لا تشجع على إجراء استفتاء ولا تشجع على إقامة دولة و الا أصبحت الدولة الوليدة – كما قالت بذلك وزيرة خارجية جنوب افريقيا ، دولة فاشلة منذ ميلادها ! إذن هنالك صراع و نزاع فى الجنوب السوداني لم تعد الحركة الشعبية هى وحدها الطرف القوي الممسك بمقاليد الأمور جيداً إذ أن هنالك من ينازعها ،وهذا ما يجعلنا نعتقد ان الأشهر الست المقبلة و ربما قبلها ستكون أشهراً صعبة وفى ذات الوقت دامية و حاسمة يتقرر فيها مصير من يقود و يسيطر على الأوضاع فى الجنوب ، و صعوبة التنبؤ بذلك فان من الصعب ايضاً التأكيد على ان الحركة الشعبية سوف تجتاز هذه الشهر الست دون خسائر فادحة ، ربما تصل الى حد فقدانها الكامل للسيطرة على الاقليم !