ما من شك ان إظهار الولاياتالمتحدة لرغبتها فى رؤية دولة جنوبية مستقلة و تشجيع نائب رئيسها (جون بايدن) لإتجاه الحركة الشعبية نحو الانفصال والتسهيلات الجمة التى وجدتها الحركة الشعبية بأشراف مباشر من ادارة أوباما لارتياد منبر مجلس الامن الدولي و المطالبة باعتراف مسبق و مبكر بدولة الجنوب المرتقبة و وعود واشنطن الظاهرة و المستترة بدعم الدولة الوليدة.. لاشك ان كل هذا السلوك من جانب الولاياتالمتحدة بمثابة(عمل عدائي) و سلوك غير معهود فى العلاقات الدولية خاصة إذا علمنا ان الولاياتالمتحدة كانت وسيطاً من الوسطاء و المسهلين و قامت بدور بارز فى إنجاح اتفاقية السلام الشامل ، و كانت إستراتيجيتها و الى عهد قريب قائمة على وحدة السودان لإدراكها – بحسب دراسات مستفيضة اجرتها – ان الجنوب السوداني اذا اصبح دولة فهو بمثابة بؤرة لصراعات وتعقيدات اثنية و إنسانية يصعب التعامل معها دولياًَ . بل ان ادارة اوباما كانت على قناعة – الي عهد قريب ايضاً- بأن من شأن انفصال الجنوب إثارة الاوضاع فى المنطقة بما قد يعرقل حصول واشنطن على مصالحها . و لذلك لا يدري أحد حتى الآن ما الذى غير استراتيجية واشنطن و جعلها تشجع – بدون منطق سياسي موضوعي مقنع – انفصال الجنوب السوداني و ما سوف يترتب عليه من تعقيدات و نزعات مزمنة الجميع فى غني عنها ،و لهذا فان من المرجح إما أن يجري تغيراً آخر فى استراتيجية واشنطن هذه فى المستقبل القريب خاصة و ان الاستفتاء لا يزال تفصلنا عنه حوالي الست أشهر أو ان يتراجع حماس واشنطن شيئاً فشيئاً و هذا يمكن استخلاصه من تأكيدات (بايدن) على ضرورة إجراء استفتاء (سلمي و ذي مصداقية) . ومع كل ذلك فان الموقف الحالي لواشنطن يعتبر معادياً للسودان وبمثابة (تدخل سافر فى الشئون الداخلية) وقد هاتفت (سودان سفاري) أحد المهتمين بالشأن السوداني فى واشنطن و هو محلل سياسي معروف و سألته عن ما وراء هذا الموقف الامريكي ، فأجاب إجابة مقتضبة خلاصتها ان واشنطن على الأرجح يتنازعها تياران حيال قضية الوحدة و الانفصال فى الجنوب السوداني و في الوقت الراهن يتقدم تيار مؤيد للإنفصال أملاً فى جعل الجنوب مستقبلاً مدخلاً للضغط على الشمال و هو تيار وثيق الصلة بدوائر صهيونية معروفة و يستبعد المصدر –بحسب تقديره – ان يتمكن هذا التيار من المضي قدماً فى خططه لأنه سبق وأن أراد فعل ذات الشئ فى العراق ولكنه جوبه بعقبات و رفض واسع النطاق ، فالتقسيمات عادة ينتج عنها بؤر لصراعات و تفريخ لحركات متمردة و كلها تسبب إخلالاً باستقرار المناطق و تهدد مصالح الولاياتالمتحدة. و على اية حال فان واشنطن تخطئ خطئاً استراتيجياً بموقفها هذا ، ليس من المهم ان تقف الخرطوم فى مواجهته و بما يقتضيه الموقف و لكن من المحتم ان واشنطن سوف تضطر عاجلاً أو آجلاً لدفع ثمن باهظ على غرار ما دفعته ولا تزال تدفعه فى العراق و افغانستان ، فالعظة و العبرة بالتاريخ أمور ضعيفة فى السياسة الأمريكية الخارجية.