سؤال القرن الحادي والعشرين لايزال سؤال القرن الحادي والعشرين: هل سيقبل الغرب انضمام الصين إلى النظام العالمي كقوة كبرى (وقريباً كقوة عظمى) سلماً، أم أنه سيعرقل هذا الانضمام عنوة كما فعل في أوائل ومنتصف القرن العشرين مع ألمانيا واليابان؟ السؤال ضروري ومنطقي، لأنه نادراً ما قوبلت قوة صاعدة بالترحاب في التاريخ الدبلوماسي العالمي . فالقوى المُسيطرة تسعى عادة إلى الحفاظ على هيمنتها بشتى الوسائل، وهذا يتضمن منع أي منافسة لها على زعامة العالم . كل استراتيجيات الأمن القومي التي أصدرتها إدارة الرئيس بوش كانت تُشدّد على أن الولاياتالمتحدة لن تسمح ببروز أي طرف دولي أو إقليمي يمكن أن يشكّل خطراً على امساكها بصولجان السلطة العالمية . وعلى رغم أن إدارة أوباما تحدثت عن عالم جديد تتعاون فيه الولاياتالمتحدة مع مجموعتي “البريك" و"العشرين"، إلا أنها شددت في الفقرات الأخيرة من أول استراتيجية أمن قومي في عهد أوباما على أن أمريكا تتمسك بكونها الدولة العظمى الوحيدة في العالم . هذه المعطيات جعلت سؤال القرن الحادي والعشرين مُعلّقاً في الولاياتالمتحدة وعُرضة للتجاذب بين أطراف تدعو إلى مجابهة الصين بصفتها خطراً استراتيجياً للزعامة الأمريكية، وبين أطراف أخرى تطالب بمواصلة دمجها في الاقتصاد الرأسمالي الدولي، بل وتقترح أيضاً إرساء العالم على قاعدة تحالف ثنائي القطبية بين بكين وواشنطن . كل هذا كان معروفاً ومفهوماً . لكن ماليس معروفاً ولا مفهوماً هو أن يُطلق الاتحاد الأوروبي إشارات قوية إلى أنه هو الآخر يشعر بقلق عميق من الصعود الصيني السريع إلى قمرة القيادة العالمية . بعض هذه الإشارات: - أجراس الإنذار المُصمّة للأذان التي قُرعت في بروكسل وبرلين وباريس، بعد أن تدخلت بكين لإنقاذ اقتصاد يونان - جورج باباندريو - عبر إبرام صفقات تبلغ مليارات عدة من الدولارات في قطاعات الاتصالات البعيدة والشحن والسياحة . - امتعاض الأوروبيين من الاختراقات الاقتصادية التي تحققها الصين في منطقة البلقان . - ما تردد عن نية بكين الاستيلاء على شركة “بريتش بتروليوم" العملاقة، بعد أن هبطت أسعار أسهمها بسبب كارثة خليج المكسيك . - تخوّف الأوروبيين، وخاصة الألمان، من أن الصين قد تملأ الفراغ الاقتصادي الذي سيتركونه في إيران، بعد أن فرضوا في قمتهم الأخيرة قيوداً على استثمارات شركاتهم في قطاعي النفط والغاز في إيران . - وأخيراً، تحدث تقرير صدر مؤخراً عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عن أن “نمط السلوكات الصينية السلبية بات يشكّل اختباراً كبيراً لأوروبا . ولذا أزفّ الوقت كي يستفيق قادة أوروبا على التحدي العالمي الذي تفرضه بكين من خلال انتهاج سياسة أكثر تشدداً معها" . موقف أوروبي غريب؟ ليس ثمة غرابة في القارة التي ابتدعت التنافس الرأسمالي المتوحش، واعتادت مع فلقتها الحضارية الأمريكية التفرد بالسيطرة المطلقة على العالم، خاصة في الشأن الاقتصادي والجيوستراتيجي . لكن، كان يعتقد حتى الآن أن للأوروبيين مصلحة في صعود الصينيين، لأن هذا سيوازن القوة الأمريكية، مايسمح بالتالي للقوة الأوروبية باحتلال موقع أكثر أهمية في النظام العالمي . بيد أن هذا يثبت حالياً أنه وهم، وأن الغرب هو الغرب والشرق هو الشرق ولن يلتقيا . وهذا ماقد يجعل سؤال القرن الحادي والعشرين أكثر خطورة بما لا يقاس . المصدر: الخليج 23/6/2010