تتصاعد باستمرار هذه الأيام الصعوبات والمعوقات التي من شأنها – اذا لم تجد المعالجة الصحيحة الناجعة من قبل الحركة الشعبية – أن تعرقل أو تؤدي لا محالة لتأجيل عملية الإستفتاء المرتقبة في الجنوب السوداني والمقرر لها رسمياً حتى الآن مطلع العام المقبل 2011. والأمر المفروغ منه في هذا الصدد – وهذا ما لا يستطيع أحد المكابرة فيه – أن الصعوبات المتصاعدة بشأن اجراء الإستفتاء – ترجع كل أسبابها لطبيعة تعامل الحركة الشعبية مع أوضاع إقليمها الجنوبي الأمر الذي كان محتماً أن يفرز هذه الصعوبات. فلنأخذ على سبيل المثال التمرد العسكري المتنامي وهو تمرد نابع من احشاء الجيش الشعبي نفسه الذي يفترض فيه أنه حامي حمى الإقليم الجنوبي، ويد الحركة الشعبية التي تبطش بها. هذا التمرد تمدد الآن وبات عصياً على الحل فبعد أن استحال إيقاف الجنرال (جورج اطور) في جونقلي واتضح للحركة أن المتمرد أطور يستقطب باستمرار ضباطاً وجنوداً بالمئات ويستحيل تماماً القضاء على تمرده، فإن العميد (قلواك قاي) قطع أن بامكانه أن (يحتل) عاصمة ولاية الوحدة الغنية بالنفط (بانتيو) في غضون (24) ساعة ولربما ساعة قراءة هذا التحليل يكون الرجل قد (أنجز هدفه)، والعميد قلواك أشد غضباً وتمرداً من الجنرال أطور كونه يواجه والي الوحدة المثير للجدل والمكروه – اذا جاز التعبير – من كل قطاعات الولاية (تعبان دينق) ولديه – بحسب ما قال – ما يدفعه للقضاء على أسطورة تعبان دينق. والعميد تبعان دينق هذا له خلافات مع نائب القائد العام للجيش الشعبي الفريق فاولينو ماتيب لا تزال معلّقة وقابلة للتصفية، ولديه ايضاً خلافات بالغة العُمق مع (أنجيلا ناتج) عقيلة الدكتور رياك مشار وسبق أن كادت تلقي حتفها في ولايته بتحريض منه، الأمر الذي أثار حفيظة د. مشار وجعله هو أيضاً ينضاف إلى قائمة أعداء تعبان. ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة للعميد تعبان في ولاية الوحدة كونه أمر باعتقال كل مرشح مستقل، ومصادرة أمواله وممتلكاته مما أثار حفيظة أهل الولاية بأسرهم. أما في شرق الاستوائية، فإن هناك توتراً من نوع آخر يقوده قادة قبيلة اللاتوكا الذين دفعوا بمذكرة (مليئة بالتهديدات) لزعيم الحركة الفريق كير يحذرونه من مغبة تهميشهم وبدأت تتمدد تحركات القبيلة في توريت وكيالا. هذه المعطيات، وغيرها من المؤشرات السالبة الدالة على وجود (برميل بارود قابل للإشتعال) في الجنوب السوداني من المؤكد أنها لن تمنح الفرصة لاقامة إستفتاء (آمن ونظيف)، ولعل واشنطن التي ارتفعت لديها (مؤشرات القلق) هي الأكثر توجساً من مآلات الأوضاع في الجنوب بعد أن (تسرّعت) وأعطت قادة الحركة ا لشعبية (اعترافاً مسبقاً ومبكراً) بدولتهم المرتقبة ولهذا لم تجد مناصاً من إرسال وفد تكتمت على طبيعة أعضائه وصفاتهم الى جوبا، لتلُّمس الأوضاع على الطبيعة. وعلى ذلك يمكن القول أن المخاوف اتسعت بشأن إمكانية قيام الإستفتاء وبحسب مصادر دبلوماسية غربية في واشنطن فإن واشنطن باتت في كل يوم تزداد اقتناعاً بصعوبة إجراء الاستفتاء في ظروف كهذه وهو ما يعيد إلى الأذهان قول نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) من أن ادارته ترغب في إستفتاء (سلمي وديمقراطي) وهو أيضاً ما يشير الى تزايد استحالة توفر هذا المناخ السلمي والديمقراطي الأمر الذي يعيد ترديد السؤال المحوري الهام، هل باتت هنالك مؤشرات فعلية على تأجيل الإستفتاء؟!