أثار النائب الأول للرئيس السوداني زعيم الحركة الشعبية، رئيس حكومة جنوب السودان دهشة العديد من المتابعين للشأن الجنوبي بتصريحاته التي أطلقها في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل قبل يومين ضمن جولة أوروبية يقوم بها حالياً. حيث قال كير عقب لقاء جمعه بمنسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافير سولانا : ( إن الحكومة المركزية في السودان لا تعمل باتجاه تكريس الوحدة مع الجنوب)! وأضاف : (حكومتنا في جنوب السودان بذلت الكثير من الجهد للتوجه نحو الابقاء على السودان موحداً)!. واتهم كير شريكهم المؤتمر الوطني بأنه (لا يعمل من أجل الهدف نفسه). وبالطبع فإن دهشة المراقبين في محلها لأن الفريق كير هو نفسه الذي قال للمصلين باحدى كنائس جوبا قبل أيام ان عليهم ان يختاروا الانفصال اذا كانوا يرغبون في الحصول على حقوق مواطنة من الدرجة الأولى. أما اذا كانوا يريدون مواطنة من الدرجة الثانية فعليهم اختيار الوحدة!!، كما أن أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم لم يترك مناسبة أو محفلاً الا ودعا فيه إلى الانفصال، بل ان برلمان جنوب السودان وفي حادثة مشهورة وموثقة جرى طرح مقترح فيه قبل اسابيع بإعلان استقلال جنوب السودان من داخل البرلمان، بتصرف أحادي الجانب ودون انتظار للاستفتاء المقرر له الع2011ام. وحتى لو وضعنا هذه التصريحات جانباً، وقلنا انها مجرد أحاديث (غير جادة) ولا وزن لها، فإن من المفروغ منه أن الحركة الشعبية ومنذ اللحظة الأولى التي تسلّمت فيها السلطة في جنوب السودان بدأت على الفور في التحضير لتأسيس دولة مستقلة فقد شرعت في جلب السلاح الثقيل (المدافع الكبيرة والدبابات والصواريخ) وما فضيحة السفينة الأوكرانية، والطائرات الاثيوبية المحمّلة بالسلاح الثقيل ببعيدة عن الأذهان. كما أن الحركة عملت على اختيار شفرة (كود) للاتصالات خاصة بجنوب السودان، ثم شرعت في انشاء طرق وسكك حديدية بدول الجوار (يوغندا وكينيا) وقامت بالغاء المناهج الدراسية للمدارس واستعانت بمناهج الدول التي تجاورها ومضت الى أبعد من ذلك بالتخلص من العنصر الشمالي الموجود في الجنوب سواء بالمضايقات أو الحوادث، أو سلب المال والممتلكات، كما أن حكومة الجنوب – وفي سرية تامة – أعدّت دستوراً للجنوب لا يزال مخفي بعناية في انتظار اللحظة الحاسمة. كل هذه مؤشرات على أن نية الحركة الشعبية منذ البداية كانت تعمل باتجاه فصل الجنوب، ولهذا ما من عاقل بوسعه أن يصدّق أن الحكومة المركزية في الخرطوم هي التي تعيق الوحدة وتعمل على تكريس الانفصال، وحتى لو صّح ذلك فإن الحكومة المركزية تتشكل من عدد من القوى السياسية من بينها الحركة نفسها، فهل كانت الحركة (تتفرج مكتوفة اليدين) وهي ترى الحكومة المركزية تكرّس للانفصال؟! ان أحداً لا يعيب على المواطنين الجنوبيين توجههم للانفصال، فالوحدة ليست أمراً جبرياً، كما لا يعيب أحد على الحركة الشعبية ما تشتهيه بأن تقع (ثمرة الجنوب) سهلة في يديها لتأكلها وحدها ولكن من المؤكد أن العيب كل العيب هو في البحث عن (مبررّات سياسية واهية) ومحاولة تعليق الرغبة الدفينة على مشجب الشمال!! لقد فات أوان هذه اللعبة وانكشفت تماماً!!