قد يخطئ رجل الأمن العام ، مثلنا تماما ، فتبادر المؤسسة الامنية الى احالته للقضاء حتى ينال جزاءه ، ومن غير المنصف ان نتساءل: لماذا يخطئ؟ فهو - مثلنا ايضا - انسان وليس من الملائكة ، يمكن ان ينفعل ويغضب ويُستفز ويخرج عن طوره ، ويمكن ان يتهور ايضا ويسيء استخدام سلطته ، لكن يبقى معيار الحكم - دائما - على المؤسسة: فهي تخطئ حين تتستر على اخطاء العاملين فيها او تقصر في تدريبهم او تغض طرفها على مخالفاتهم ، وهذا ما لم تفعله مؤسساتنا الامنية ، الامر الذي يجعل الهجمة عليها بمثل هذه الصورة مزعجا حقا ، وباعثا - لي على الاقل - للدفاع عنها والدعوة لاعادة الاعتبار «لمعنويات» ابنائها ، هؤلاء الذين لا يجوز ان نتركهم «ضحايا» لانتقاداتنا واحكامنا القاسية ، او ان نحملهم عبء اخطاء فردية لا علاقة لهم بها. في شوارعنا ومدننا وقرانا ينتشر نحو «40» ألف رجل أمن ، سُجلت - فقط - هذا العام نحو «360» مخالفة عليهم ، فيما تعرضوا لاكثر من «1000» اعتداء من مواطنين ، وبعضهم سقط وهو يؤدي واجبه ، ولنا ان نتصور حياتنا بدونهم ، او ان نتصور ما يمكن ان يحدث لو استرسلنا في ادانتهم - بالجملة، او تهشيم مكانتهم ودورهم في حفظ الأمن ، او فيما لو فكر احدهم في التراجع عن القيام بمهمته خوفا من ان يحدث المحذور عند الصدام مع اي مواطن ، من واجبنا ان نضع هذا وغيره في حسابنا ، لا لكي نحجم عن الاشارة للخطأ ان حصل والدعوة الى محاسبة اصحابه ، وانما لكي نتجنب تعميم الانتقادات ، وتهشيم هذه المؤسسة التي ما تزال تمثل رمزا لاستقرارنا ، ولكي - ايضا - نكون منصفين في التعامل مع حجم الانجاز الذي تقدمه مقارنة بما يحصل من مخالفات. لم يخطر ببالي - ابدا - ان أدافع عن خطأ قد ارتكب ، مهما كان مصدره وصاحبه ، ولكنني اشعر بأن ثمة «نوايا» غير بريئة وغير منصفة تستهدف بسهامها مؤسساتنا التي نحرص على بقائها بعيدة عن العبث والتجريح ، وفي مقدمتها مؤسساتنا الامنية ، ولهذا امتلك الشجاعة لاقول بأن ترك هذه المؤسسة وحيدة تتصدى للدفاع عن نفسها دون ان يزورها مسؤول او ان تسمع دعما يرفع من معنويات افرادها ، هو خطأ فادح نرتكبه ، وخلل ارجو ان لا يستمر ، وحتى لو افترضنا بأن ثمة «مخالفات» قد حصلت ، فإن دعم مؤسستنا الامنية لتجاوز هذه المخالفات ضروري ايضا ، ولانني لا اريد ان ادخل في التفاصيل - فقط - بأن من دلائل خيباتنا هذا الخلط الذي نقع فيه بين الامني والسياسي ، بحيث تتقدم حساباتنا السياسية الصغيرة على ضروراتنا الامنية ، فتدفع الثانية ثمن «صمت» الاولى او غيابها بلا مبرر. بقيت لدي ملاحظة اخيرة قد تبدو هامشية وهي - بالتأكيد - ابعد من ذلك ، فعلى رأس جهاز الأمن العام رجل يتسم بالنظافة والاستقامة «كنت اتمنى ان اضيف لذلك سمات اخرى اعرفها عنه وتجعلني احترمه رغم انني لم التقه ولو مرّة» ، وهذه للاسف لا تعجب الكثيرين في هذه الايام ، وأخشى ما أخشاه ان تكون الهجمة التي نتابعها بما جرى فيها من تضخيم متعمد ، قد استهدفت هذه القيمة ، اذ لو كان الرجل يسمح لنفسه - كما يفعل غيره - بتوزيع المكافآت والعطايا والمجاملات لما تعرض لمثل هذه الهجمة. هذا ليس دفاعا عن «عصا» الشرطي الذي ندعو - دائما - ان تبقى تحت خيمة «القانون» ولا دفاعا - معاذ الله - عن اخطاء ارتكبت وتم الاعتراف بها وادانتها ومحاكمة المسؤولين عنها ، ولا دفاعا عن اشخاص مهما كانت مواقفهم وسماتهم ، وانما جزء من واجب اشعر انه يحتاج لنوع من الشجاعة الادبية لكي يُشهر في مواجهة تيار معاكس وقوي ، وفي لحظة نحتاج فيها للحفاظ على هيبة مؤسساتنا ورفع معنويات ابنائها ، ومساعدتها على تجاوز بعض ما تواجه من مشكلات. المصدر: الدستور الاردنية 19/11/2009