بمجرد صدور قرار تهمة الإبادة ا لجماعية مؤخراً ضد الرئيس السوداني المشير البشير، فان الناطق باسم الخارجية الأمريكية سارع الى التعليق على القرار بأن على الرئيس البشير أن يسلم نفسه للمحكمة ! و كان الأغرب من كل ذلك – و واشنطن أصبحت معرضاً مشهوراً للغرائب بما قد يفوق مدينة ديزني لاند المليئة بالعجائب – أن الموفد الأمريكي الخاص ساعة صدور تعليق الخارجية الأمريكية كان يعد حقائبه للتوجه الى الخرطوم ، و فى الحقائب ملفات مهمة للغاية أبزها الاستفتاء و سلام دارفور . و لهذا لم يكن للموفد الخاص من مناص سوي الاعتراف – بجسارة لا مفر منها – أن قرار الجنائية – و هو فى الواقع يعني ايضاً تعليق الخارجية الامريكية- قد عقد مهمته فى الخرطوم . الموفد الأمريكي الخاص و فى حدود الخبرة التى اكتسبها لأكثر من عام منذ وطأت أقدامه السودان و التقي المسئولين السودانيين يعلم بالفعل ان لا صحة لما يشاع عن إبادة جماعية ، و قد سبق له فى ذلك الحين ان صرح بهذه الحقيقة و التى جرت عليه – و بسرعة البرق – غضب البعض من المتنفذين فى إدارة أوباما فضلاً عن جماعات الضغط و جماعات أنقذوا دارفور – و سلسلة مطولة من أصحاب الغرض – و اضطر الرجل المسكين، و هو يعتقد ان البناء على الحقائق ضروري للتوصل الى نتائج جدية ، لِسَحبْ (إقراره) ! الآن لسوء حظ الرجل –و ربما لسوء حظ إدارته – يأتي فى وقت متزامن مع اتهام الإبادة الجماعية ، و يود ان يتباحث مع الخرطوم – بدقة شديدة – حول قضايا بالغة العمق و الأهمية ، و من الممكن ان تتعثر مهمته ، أو أن يقابله مسئولي الخرطوم بشئ من الفتور . و على كل ، فان هذا ليس هو مقصدنا ، و إنما مقصدنا ان عدم وضوح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان ، رغم أن ما يجري فى السودان (واضح للغاية لها) يعد من الأمور المستغربة التى يصعب إيجاد تفسير لها ولا نود هنا ان نعيد ترديد حديث المؤامرات و الأجندة التى تستصحبها واشنطن عادة فى تحركاتها و تحتفظ بشفراتها لديها.. هذا لم يعد أمراً يستحق البحث ، فالعلاقات الدولية فى الراهن الحالي باتت من الواضح بحيث لم تعد تحتاج لمحللين و قارئي كف ! إن من المؤكد أن واشنطن لا تحسن اللعبة بتأييدها للإجراءات القضائية الدولية ضد السودان – و هى لا تعترف بالمحكمة و لم تنضم إليها – و فى الوقت نفسه تنتظر من السودان ان ينجز عملية سلمية شاملة بحيث تنحل بموجبها أزمة الجنوب و أزمة دارفور ،ويصبح كل شئ على ما يرام . إن حديث غرايشون (حول تعقيد قرار الجنائية لمهمته فى الخرطوم ) هو فى حد ذاته دليل مادي قاطع على ان الجنائية تعقد بأكثر مما تحل و تعالج ،و تعيد انتاج الأزمات و التوترات بأكثر مما تعمل على حلها . و لا يدري أحد كيف تريد واشنطن الاحتفاظ بكيكة السودان و أكلها و فى الوقت نفسه !