عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أرسل الاتحاد السوفيتي وقتها إنذاراً رسمياً- بعبارات صارمة و صادقة – للمعتدين الثلاثة ، فرنسا و بريطانيا و إسرائيل ، و خص اسرائيل بالذات بعبارات مذلة مهدداً باستخدام صواريخ عابرة للقارات لمحو الدولة اليهودية .و حين أدركت اسرائيل ان الانذار السوفيتي جدي ، و خطير ، فانها سارعت – بالاتفاق مع واشنطن – لإستصدار إنذار مشابه من واشنطن ، أخف حدة و بمواصفات معينة ،و ما أن صدر الانذار الأمريكي حتى استجابت له اسرائيل بسرعة وعلى الفور .و راجت حينها المقولة التى كادت ان تكون مثلاً ، ان اسرائيل خشيت من موسكو ،وفضلت الاستجابة لواشنطن ! و لعل هذا المثل الآن فيما يبدو يتجه لينطبق على الحركات الدارفورية المسلحة (حركتي خليل و عبد الواحد) فقد ظلت الحركتان ترفضان التفاوض فى كل الأوقات و الأسباب لا تزال مجهولة و الآن يبدو ان واشنطن قد سئمت هذه المطاولة غير المبررة فى ظل اقتراب استحقاق الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب .و قد وجدت هاتان الحركتان صعوبة بالغة فى الاستجابة للوساطة المشتركة و للدوحة و الحكومة السودانية لحضور المفاوضات – رغم إدراكها ان الوقت ما عاد يحتمل – و لهذا ربما فضلت الاستجابة للحركة الشعبية . و قد راجت أنباء الأسبوع الماضي عن اتصالات أجراها زعيم الحركة الشعبية الفريق اول سلفاكير بقادة الحركتين توطئة لدفعهما لحضور المفاوضات . و مع ان الأمر لم يتضح جلياً – رفضاً أو قبولاً – فان من المؤكد ان قادة الحركتين يفضلان على أية حال (إرجاع الفضل) الى الحركة الشعبية و جعلها جسراً للعبور لأن الأمر المفروغ منه ان مذكرة اعتقال الرئيس البشير لن تفيد و لن تجدي فى شئ لا من حيث الحل ولا من حيث تحقيق أهداف تنضاف للحركتين. و ربما تخشي الحركة ان يتسبب هذا التعنت فى عرقلة أو إرباك الاستفتاء وهو أمر استراتيجي بالنسبة لها و موعده يعتبر مقدساً و لا يجوز المساس به . غير ان الحركة الشعبية و هي تسعي لنيل فضل إقناع هاتين الحركتين بالحضور للتفاوض ربما تفشل لكونها فى الماضي كانت تتعمد إفشال هذا المسعى ، على الرغم من أنها لو سعت بجدية و اخلاص قبل سنوات لربما أضافته الى رصيدها القومي ، و من ثم أفادها فى مواقفها السياسية ،و لعل ضيق الوقت و الصعوبات القائمة الآن والاستفتاء يقترب يجعل الحركة تمضي باتجاهين مختلفين كل منها يستلزم التركيز ، وهو ما يصعب أن تنجح فيه الحركة ، كما أن توجيهات الحركة نحو الانفصال ربما لم يجذب هاتين الحركتين اللتين تريان فى هذا الانفصال إفساداً للدولة السودانية و تقليلاً من قوتها ، و نحن نعلم ان حركات دارفور ليس لديها أى توجه انفصالي ؛ فهل تنجح الحركة فى مسعاها هذه المرة أم أنها ستمارس الأمر كتكتيك كما ظلت تفعل ؟