"آخر شئ نحتاجه هو دولة فاشلة فى المنطقة".. بهذه العبارة أنهي نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) حديثاً تلفزيونياً على قناة أيه بي سي الأمريكية دار حول إستفتاء الجنوب السوداني المقرر له مطلع العام المقبل 2011. بايدن قال فى ذات الحديث أن هنالك (قلقاً مشروعاً) على حد تعبيره من وقوع متاعب و عمليات غش فى العملية ،ولكنه قال ان إدارته تمارس الآن ضغوطاً كبيرة على رئيس حكومة الجنوب لتجنب أية ممارسات من هذه الشاكلة ،و هذه هى المرة الثانية فى غضون شهر التى يعيد فيها نائب الرئيس الأمريكي الحديث عن استفتاء سلمي و ديمقراطي فى الجنوب السوداني ، بلا غش أو تزوير أو مواجهات . و قد مضي بايدن هذه المرة أكثر ليفصح عن (جانب) من رؤية إدارته حيال مآلات الاستفتاء فى الجنوب بإبدائه لتخوفات (نشوء دولة فاشلة فى المنطقة) ! و لربما كان حديثه هذا عن الدولة الفاشلة قائماً على مخاوف مما يجري على الأرض فى الجنوب سواء من جهة الحالة الأمنية المقلقة ، أو الأوضاع الإنسانية التى تسببت فيها حكومة الجنوب بتقاعسها ؛ رغم ان المال لا ينقصها . و ما من شك أنه يصعب تماماً الجزم بما ترغب فيه واشنطن بشأن الجنوب السوداني، هل تدعم انفصاله كما كان قد فعل بعض صقور إدارة بوش الابن التى سبقت إدارة أوباما الحالية ، أو كما راج حين سمحت واشنطن لأمين عام الحركة الشعبية باقان أموم لحضور جلسة بمجلس الأمن (بدون صفة سياسية) وسمحت له ايضاً بالإلتقاء بأعضاء فى الكونغرس و مسئولين كبار هناك بما أعطي انطباعاً بتقديم اعتراف (مسبق و مبكر) بدولة الجنوب الوليدة ؟ أم ان واشنطن بدأت تتخوف بشدة - وقفاً لمعطيات على الأرض - من قيام دولة جنوبية هشة أمنياً و غير متجانسة ومتماسكة سياسياً ؟ إن حديث بايدن لمرتين متتاليتين عن استفتاء سلمي و سليم لا مطعن عليه يشير الى أن واشنطن- حتى ولو كانت راغبة فى انفصال الجنوب- فهي تريد ذلك استناداً على إرادة جنوبية حقيقية و استفتاء صحيح مائة بالمائة ، إذ انه و كما قال بايدن ، فان أى خلل فى العملية او ممارسة غش او تزوير سوف يدفع نحو قيام دولة فاشلة. و الفشل هنا سوف يرتكز على وجود اختلال أمني واسع النطاق ، فى ظل وضع انساني متردي ، و فى ظل ضعف فى البني التحتية و غياب الخدمات . و على كل فان حديث بايدن جدير بالانتباه - رغم عدم وضوح مواقف الادارة الامريكية ، بل و تناقض مواقفها - و قد صار من الطبيعي ان نري واشنطن مع الانفصال ومع وحدة السودان فى الوقت نفسه ، و غير مؤمنة بالجنائية و لا منضمة لميثاقها و لكنها تدعم قراراتها ! أنها طريقة السير على الحبال المعروفة عن سياسة واشنطن تجاه السودان ،وهو أمر بالطبع لن يدوم وسوف تحين اللحظة الحاسمة التى يتعين عليها ان تقف حيث تفرض عليها الظروف و المعطيات ان تقف !