لم يكن الراحل الدكتور جون قرنق يسخر حينما اقترح إنشاء انتربول مالي دولي لضمان وفاء المانحين بتعهداتهم وكانت تجارب المانحين حاضرة في ذهن الفريق المشترك الذي اعد مشروعات البناء والتعمير. ولذلك فان الوفد الذي قاده الراحل قرنق والأستاذ علي عثمان محمد طه العام 2005م لم يذهب إلى اوسلو خالي الوفاض بل بمشروعات واقعية وباستعداد على تحمل جزء كبير من تكلفة التعمير وهذا لم تفعله دولة من قلبنا. وحينما تعهدت 60 دولة في مؤتمر المانحين بتقديم 5,4 مليار دولار لإعادة البناء والتعمير التزمت الحكومة بتقديم 3,3 مليار دولار حتى يكتمل المبلغ المخصص لإعادة بناء ما دمرته الحرب والآن بعد مرور خمس سنوات على مؤتمر المانحين ومرور خمس سنوات ونصف على اتفاقية السلام لم يسدد المانحون سوى أقل من مليار دولار من تعهداتهم. وقد كان الوفد السوداني الذي شارك في مؤتمر اوسلو أكثر قناعة بان إعادة البناء والتعمير ستتم من موارد السودان الذاتية وفي ذاكرته تجارب المانحين في البوسنة والصومال وأفغانستان والعراق وكمبوديا ورواندا واليبريا. ففي العام 1992م تعهدت الدول المانحة بتقديم 880 مليون دولار لإعادة تأهيل كمبوديا لكن بعد مرور ثلاث سنوات لم تقم الدول المانحة الا بتقديم 460 مليون دولار ودائما ما تبحث الدول المانحة عن ذرائع لحجب دعمها ففي السودان تعللت بمشكلة دارفور مع أن المشكلة قائمة قبل مؤتمر المانحين. وفي البوسنة وضعت الدول المانحة قيودا للحد من تدفق تلك الأموال حينما اشترطت إشاعة الديمقراطية وإقامة الانتخابات والتزام الإطراف ببنود اتفاق دايتون ولانجاز ذلك طالبوا بإبعاد الكثير من عناصر الحزب الحاكم واستمرت مطالباتهم بإبعاد وزراء وحكام أقاليم. وحينما أقيمت الانتخابات وسقط الحزب الحاكم وفاز الحزب الاشتراكي (الشيوعي) بدأ الحديث حول إصلاح الخدمة المدنية وتدريبها وتأهيلها لان الفساد الذي ران على الحزب الشيوعي القديم سيبدد الأموال المتدفقة وتحدثوا عن التزام الأطراف المختلفة بعودة كل النازحين إلى مناطقهم التي طردوا منها وبعد ذلك تحدثوا عن إصلاح النظام الاقتصادي وتحويله الى اقتصاد حر وإلغاء القوانين والمؤسسات الموروثة منذ نظام تيتو. أمس كان المانحون يقدمون شروطا جديدة للحكومة الأفغانية مقابل تسليم الأمن للقوات الأفغانية ابرز الشروط التي تقدموا بها هو تقديم حكومة كرزاي ضمانات بأنها ستحسن سجلها في مجال المحاسبة ومكافحة الفساد وأيد المشاركون في مؤتمر المانحين بأفغانستان تمرير 50% من المساعدات البالغة 13 مليار دولار. نقلاً عن صحيفة الوفاق 22/7/2010م