في مقاطعة ملوط بشمال أعالي النيل، أمر حاكم المقاطعة – دون أسباب واضحة باعتقال مسؤول السجل الإنتخابي ويُدعى خالد النور. السلطات المختصة هناك وهي – بحسب المواطنين الذين شهدوا الواقعة – استخبارات الجيش الشعبي نفذت أوامر الحاكم وقامت بالفعل باعتقال المسؤول وأطالت سؤاله واستجوابه عن الدفاتر والسجل الذي بحوزته، ولما لم يكن الأمر مجدياً فقد جرى تعذيب المسؤول عن طريق الأسلوب الأمريكي المبتدع في جوانتنامو وأبو غريب بإيهام الشخص المعتقل بالإغراق وهي عملية يتم خلالها صب المياه بغزارة، أو إنزال المعتقل في وعاء فيه ماء كثير. مسؤول السجل الانتخابي تعرض لهذا التعذيب ثم جرى القاؤه في منطقة خلوية بعيدة عن العمران، وتم تهديد أسرته وطلب منها مغادرة المقاطعة. أما في ولاية واراب فقد قرر حاكم الولاية (تور دينق) – وعلى نحو مفاجئ – إيقاف عمليات التسجيل، ثم أردف قراره بقرار قضى باعتقال (9) من منسوبي المؤتمر الوطني بالولاية – دون أسباب واضحة – وتم اختيارهم بحسب شهود عيان أيضاً إلى جهة غير معلومة. وحين ذاع الخبر في الولايات المجاورة فإن عدداً من منسوبي المؤتمر الوطني اضطروا للإحتماء بولايات أخرى مثل ولاية غرب بحر الغزال. هذين النموذجين أشرنا إليهما من بين مئات النماذج لحالات اعتقال يومية متواصلة في أنحاء مختلفة في الجنوب تارة لأعضاء في المؤتمر الوطني، وتارة لمراقبين لعمليات التسجيل وتارة أخرى لموظفين يتبعون للسجل الانتخابي. وما من شك أن عمليات الاعتقال وعرقلة عمليات التسجيل هذه غير مبررة على الاطلاق فلو أن أي من المعتقلين ارتكبوا مخالفات أو مارسوا فساداً أو اثاروا شبهة فإن الأمر الطبيعي في مثل هذه الحالات هو تحكيم القانون باتخاذ الإجراءات القانونية المعتادة من فتح لبلاغ وتحقيق ومن ثم تقديم الشخص أو الأشخاص المعنيين للعدالة، اما أن يدانوا أو يبرءوا. ولا يظنّن ظان هنا أن ندافع عن عضوية المؤتمر الوطني أو أي موظف حكومي أو منسوب من منسوبي السجل الانتخابي فهؤلاء جميعاً لهم جهات تدافع عنهم وقادرة على معالجة قضاياهم، ولكننا نتحدث هنا عن الممارسة الديمقراطية المستندة الى القواعد القانونية والتقاليد الديمقراطية المتحضرة ويؤسف المرء أن يقول ان حوادث اعتقال موظفي السجل الانتخابي وملاحقة منسوبي المؤتمر الوطني وتعطيل عمليات التسجيل اقتصرت طوال الأيام الماضية فقط على اقليمجنوب السودان حيث لم يشهد أي اقليم آخر ولو حالة مماثلة، وهو ما يستنتج منه أن الحركة الشعبية القابضة بيد من حديد على جنوب السودان، لا تزال بعيدة كل البعد عن الممارسة الديمقراطية والواقع السياسي في البلاد، وبوسع أي مراقب أن يتصور ردة فعل الحركة الشعبية لو أن ما تفعله هي الآن في جنوبها بحق موظفي السجل الانتخابي وعضوية المؤتمر الوطني، فعله المؤتمر الوطني أو الحكومة المركزية في الخرطوم بحق منسوبيها!! من المؤكد أن الدنيا كانت ستقوم ولن تقعد، ولا ندري حتى الآن، ما اذا كان ما تفعله الحركة ربما يسعفها في تفادي دخول المعركة الانتخابية التي لا تكره أمراً وتمقته قدر ما تكره هذا الاستحقاق الإنتخابي!!