ليس من الصعب فهم وإدراك الدواعي التي كانت وراء عرقلة لقاء الرئيس السوداني بالقوى المعروف بتحالف جوبا الذي كان مقرراً له السبت الماضي. فقد أشاع القيادي بالحركة ياسر عرمان أن الحكومة لا تريد لقاء هذه القوى الاّ من باب العلاقات العامة فحسب وكان عرمان، وربما رفقائه في الحركة الشعبية يحاولون في الواقع إنشاء جدار سياسي عازل فيما بين قوى جوبا والحزب الوطني الحاكم فإن لم يكن لشئ فعلى الأقل لأن الحركة الشعبية – وخاصة بعض المعتنقين فيها لأيدلوجية معينة – يتخوّفون من أن تفقد الحركة الشعبية حلفائها، وهي حتماً ربما تكون قد بدأت في خسرانهم عقب اكتشافهم أنها سبق وان استخدمتهم – بسوء نية – في لعبة تكتيكية ضد حليفها في الشراكة الحزب الوطني. قبيل الإستحقاق الإنتخابي، وقد سبق وأن رأينا كيف بلغ الإستياء وخيبة الأمل لدى قوى جوبا مبلغة بعدما فاجأتهم الحركة الشعبية عشية الاستحقاق الانتخابي بسحب مرشحها الرئاسي عرمان. ولعل هذا ما كان واضحاً في حديث صريح أدلى به سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد مؤخراً وجه فيه نقداً ساخراً للحركة الشعبية حين قال لعرمان (ما تجيبونا تاني لتكتيك، موقفكم لازم يكون واضح) ولا شك أن نقد كان (غاضباً) ويعلم أن الحركة موقفها غير واضح بشأن الوحدة أو الإنفصال، وهي تائهة بلا بوصلة وفي الوقت نفسه تطلق لبعض قادتها العنان – أمثال أموم – للتجول والتبشير بالإنفصال ودولة الجنوب المرتقبة. عرمان من جانبه يستشعر (قدر من المرارة) جراء ما جرى له وما قد يجرى اذا توجهّت الحركة بقوة نحو الإنفصال فحينها لن يكون لقطاع الشمال – وهو أصلاً كسيح – أدنى وجود لا في الشمال ولا في الجنوب وربما لهذا السبب – وعلى طريقة الثأر السياسي الخفي، يعمل بعض القادة في الحركة على الحيلولة دون التقاء الوطني بالقوى السياسية (الغاضبة) من الحركة الشعبية وفي الوقت نفسه تتم اثارة قضية المعتقل (تلفون كوكو) أحد ابرز قيادات النوبة ذوي الانتماء للركة ليتبلور من خلالها موقف لأبناء النوبة، فالحركة الشعبية باعتقالها الغريب والمريب لتلفون كوكو – بأسباب واهية – في ظل تنامي أنباء عن قرب تقديمه للمحاكمة إنما تود أن تحتفظ به داخل القضبان الى حين عبور جسر الإستفتاء فهي تشعر بأن كوكو قد يشكل تهديداً لتوجهاتها الإنفصالية وفي قضية المشورة الشعبية. وما من شك أن هذا الموقف سوف يزيد من نسبة فقدان الحركة لأبناء النوبة وغضبهم حيال إعتقال أحد قادتهم هي في أمس الحاجة إليه في هذا التوقيت بالذات. ان محاولة عرقلة التقاء قوى جوبا بالبشير – بمزاعم واهية – أمر وراءه مخاوف وهواجس شديدة داخل الحركة الشعبية أقلّها أنها قد تفقدهم – وهي كما قلنا على وشك فقدانهم سياسياً – وفي الوقت نفسه قد تواجه غضب أبناء النوبة، ثم قد تفقد الانفصال نفسه اذا تضافرت هذه القوى ضدها وعملت بجد من أجل الوحدة!